التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دراسة: نظرية "تفاوض الوجه" في الاتصال البينثقافي: قراءة ابيستمولوجية


نشر الباحث باديس لونيس دراسة تحت عنوان: "نظرية تفاوض الوجه في الاتصال البينثقافي: قراءة ابيستمولوجية"، في العدد 2، المجلد 8 من مجلة ميلاف للبحوث والدراسات.

وجاءت مقدمة الدراسة على هذا النحو:

يُعتبر الاتصال البينثقافي أحد أهم التخصصات العلمية التي تلقى اهتماما متناميا من طرف المؤسسات الأكاديمية والباحثين في مختلف مناطق العالم؛ ليس فقط من طرف المشتغلين في علوم الإعلام والاتصال، ولكن وأيضا من تخصصات أخرى متعددة، فهو إذن، ملتقى التخصصات وحقل خصب للتفكير العابر للحقول العلمية. ومن دوافع هذا الاهتمام المتنامي لهذا التخصص هو تسارع وتنامي التواصل بين الثقافات المختلفة في ظل ثورة تكنولوجيات الاتصال الحديثة، والانتشار المذهل لمختلف الوسائط الرقمية التي سهّلت من ربط الأفراد في مختلف مناطق العالم. فضلا عن تبعات العولمة وزيادة معدلات السياحة والسفر والهجرات. دون أن ننسى دور العلاقات الدولية في ساحة سياسية متصارعة وغير مستقرة.

كمجال للبحث، غالبًا ما يتم تعريف الاتصال البينثقافي على أنه دراسة كيفية تواصل الأشخاص من خلفيات ثقافية مختلفة مع بعضهم البعض، ويستخدم كمصطلح شامل للإشارة إلى كل من دراسة التفاعل بين الأشخاص من ثقافات مختلفة والدراسات المقارنة لأنماط الاتصال عبر الثقافات (Hua, 2014, p. 199). ورغم وضوح الفكرة المركزية لهذا التخصص من حيث أنه يشتغل في الاتصال الذي يقع بين منتمين إلى ثقافات "مختلفة"، إلا أن هناك تعددا في طرق مقاربة هذه النقطة، ما أنتج نظريات ومقاربات متعددة كذلك.

في هذا السياق جاءت مساهمة المنظرة الأمريكية الصينية ستيلا تينغ تومي الموسومة بنظرية "تفاوض الوجه"، وستيلا تينغ-تومي (Stella Ting-Toomey) هي أستاذة بقسم دراسات الاتصال الانساني في جامعة كاليفورنيا، مهتمة بالاتصال البينثقافي والتدريب وإدارة الصراع البينشخصي. قامت بتأليف 17 كتابًا علميًا وأكثر من 120 مقالة وفصلًا. حاصلة على جائزة (CSU Wang Family Excellence) وجائزة (CSUF) للأستاذ المتميز. ألقت محاضرات على نطاق واسع في جميع أنحاء الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا حول موضوع الكفاءة الواعية في الصراع بين الثقافات (from Guilford Press, 2021).

وفي هذا المقال التحليلي، حاول  الباحث تقديم قراءة ابيستمولوجية من خلال:

- التعريف بنظرية تفاوض الوجه،

- ثم مناقشة الخلفية المعرفية للنظرية.



وجاءت خاتمة الدراسة على هذا النحو:

في ختام الدراسة من المهم التأكيد على أن نظرية تفاوض الوجه جاءت نتيجة لمجهودات سابقة متعددة ومتنوعة كما تم توضيحه في المتن؛ إن كان ذلك على مستوى مقاربات في الاتصال البينثقافي، أو كان ذلك على مستوى نظريات الوجهكما أن النظرية وإن كانت في تطبيقاتها المنهجية (حسب الدراسات التي تم إجراؤها) تنحى إلى أن تكون ذات خلفية ابيستمولوجية وضعية، حيث من الملاحظ أن ستيلا تينغ تومي وزملاؤها قد طبقوا المنهجية الكمية في كثير من بحوثهم المستندة إلى النظرية، إلاّ أنه ليس من الصعوبة تلمُّس حضور بعض ملامح البراديغم النقدي، خاصة من خلال مفهوم الصراع، كما لا يمكن أيضا بأي حال من الاحوال تجاوز الممارسة التأويلية في النظرية، خاصة المتعلقة منها برمزية الوجه، وتأويل العلامات المختلفة التي ترسمها ايماءاته أثناء التواصل؛ وهو ما يحيلنا إلى التفاعلية الرمزية والتيار التأويلي؛ يتضح هذا التوجه خاصة مع تأثر صاحبة النظرية بإرفنغ غوفمان أحد المحسوبين على هذا البراديغم. هذه الفسيفساء في الاستناد الابستمولوجي يضع النظرية أمام مساءلة قوية حول انسجامها المنطقي في ظل تناقض بعض الثنائيات المعرفية في إطار (الوضعي- التأويلي).

مع ذلك فإنه من المهم الإقرار بأن النظرية مازالت في مسار تطورها، لذلك فقد اقترحت المنظرة الامريكية- الصينية، ستيلا تينغ-تومي خمس اتجاهات مستقبلية (Ting‐Toomey, 2017, p4) توجه هذا المسار:

أولا، لا يمكن أن تتقدم النظرية إلا من خلال غرس شعور قوي بتعقّد الظرف وتعقّد الهوية الاجتماعية إلى حد بعيد تطورها التنظيري.

ثانيا، ارتقاء النظرية يعتمد بشكل كبير على الاختبار المقارن عبر الثقافات بشكل صارم ومبتكر، اختبار مواجهي لعمل الوجه بين الجماعات وبين الثقافات، ومنهجيات الاختبار الطولي والانمائي.

ثالثا، البحث في: تعقّد الهوية المتعددة، العواطف المختلطة في (عمل الوجه)، التسامح، والتصالح، سيساعد في رسم صورة أكثر وضوحا للنظرية.

رابعا، دور السلطة والتمكين المشترك يمكن أن يُدمجا في النظرية للتغلب على الاستخدام اللاوظيفي مقابل حركة سلطة وظيفية/ مُنتِجة على مستويات جزئية وكلية لتفاوض (عمل الوجه).

خامسا، تعتبر نظرية تفاوض الوجه نظرية عملية؛ وبالتالي فإن إجراء المزيد من الدراسات يحتاج إلى فحص آثار التدريب المسبق، التدريب أثناء العملية، والتدريب البعدي، لزيادة معرفة حساسية الوجه (face-sensitive)، تعزيز النظرة الاثنية-النسبية، وتشكيلة مهارات التواصل المحسَّنة لعمل الوجه.

إضافة إلى هذه النقاط الخمس السابقة، اشارت تينغ-تومي إلى أن نظريتها ترحب بإجراء الاختبارات وفقا للبراديغمات الثلاث (النقدية-التأويلية- الوظيفية). وهي الدعوة التي تؤكد الملاحظة السابقة في الاستناد الابيستمولوجي للنظرية وتقتح المجال لممارسة منهجيات متعددة أو حتى مختلطة.

تجدر الإشارة في الأخير إلى أن للنظرية آفاق واسعة وواعدة للتطبيق في مختلف الفضاءات التي يحدث فيها الاتصال البينثقافي، إن كان ذلك على مستوى الاتصال التنظيمي في مختلف المؤسسات، أو إن كان على مستوى العلاقات السياسية أو الاتصال الشخصي الذي يقع في إطار السفر والهجرة والسياحة، أو على مستوى الميديا الاجتماعية حيث تعتبر حقلا خصبا لالتقاء الثقافات المختلفة... كل هذا يفتح المجال لدراسات مبتكرة ومتعددة الخلفيات الإبيستمولوجية والممارسات المنهجية.

يمكن تحميل الدراسة كاملة من هنا

تعليقات

  1. أ/الحاج عيسى سعيدات17 مايو 2023 في 5:00 م

    مقال ممتاز ..يفتح زوايا بحثية جديرة بالاطلاع والتحليل المعمق ..هو دليل على جدية وكفاءة الأستاذ

    ردحذف
    الردود
    1. سعيد جدا أستاذي العزيز بشهادتك
      خالص الاحترام لكم

      حذف
  2. بوركت أستاذنا الفاضل .. عمل مميز

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).