التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نصرالدين لعياضي يفكر مع ماكلوهان ضد الماكلوهانية


باديس لونيس

يواصل البروفيسور نصرالدين لعياضي حفرياته الإبيستمولوجية وإعادة مساءلة التراث النظري في مجال علوم الإعلام والاتصال من خلال إعادة قراءة النظريات المؤسسة والسائدة في هذا التخصص منقبا عن آثار توظيفها خاصة في المنطقة العربية، كما هو شأن نظرية الاستخدامات والاشباعات أو نظريات بناء المعنى أو نظرية التلقي..

وربما تُعتبر دراسته المعنونة بـ (البحث العلمي في علوم الإعلام والاتصال في المنطقة العربية وغيابالأفق النظري)؛ الدراسة العلمية التي يمكن النظر إليها بوصفها تأسيسا معرفيا يصارح الواقع البحثي ويدعو للتصالح مع الذات الباحثة العربية ومن ثمة توجيه الرؤية نحو الخلل الحقيقي في الممارسة البحثية في المنطقة؛ وهو على ما يبدو عليها، يتجلى (أي الخلل) في غياب وعي حقيقي ونقدي للنظريات الغربية وما يحدث فيها من تطورات تلامس المجرد والمجسّد معا.

في هذا السياق تأتي دراسته الأخيرة المنشورة في مجلة لباب (العدد 12) الصادرة عن مركز الجزيرة للدراسات تحت عنوان مثير ومستفز وجذاب: "التفكير مع ماكلوهان ضد الماكلوهانية في عصرالميديا الرقمية"؛ وتضمنت الدراسة دعوة إلى التفكير مع ماكلوهان ضد الماكلوهانية في البيئة الرقمية. وطالبت بمراجعة أبرز مرتكزات فكر مارشال ماكلوهان التي تضمنتها منشوراته، كما حاولت الدراسة تقديم الأسباب التي أدت إلى إعادة اكتشاف "ماكلوهان" في العصر الراهن. ودفعت إلى مساءلة ما يزعمه الكثير من الكتاب والباحثين الذين يرون أن ما تعيشه الميديا اليوم من تحولات في البيئة الإعلامية يُثبت صحة ما تنبّأ به ماكلوهان في حياته. كما حاولت الدراسة أيضا أن تُبيّن مكانة ماكلوهان في الدرس الإعلامي العربي بما يخدم تطور البحوث الإعلامية في المنطقة العربية.

وقد خلص لعياضي في آخر دراسته من بين ما خلص إليه إلى التأكيد على ضرورة إعادة النظر في تدريس ماكلوهان من طرف الدارسين العرب لأن ذلك سيحررهم من القراءة الانطباعية لمقولاته التي حوّلتها الكتابة الصحفية إلى أنماط مقولبة، ويفتح المجال لإعادة كتابة تاريخ الميديا في المنطقة العربية، ومواقع التواصل الاجتماعي، بعيدا عن سطوة التكنولوجيا وهيمنة الأفكار الجاهزة التي لم تتحررّ من منطق التأثير المطلق الذي يساوي بين الميديا الاجتماعية ووسائل الإعلام التقليدية.

إن هذه الدراسة العميقة (على غرار كل دراسات لعياضي) سوف تحرر قارءها من كثير من النمطية التي استولت على الدرس الإعلامي العربي ليس فقط على مستوى تلقي فكر ماكلوهان، ولكنها ستفتح الباب أمام تساؤلات عميقة وحقيقية في مجمل التراث النظري في مجال علوم الإعلام والاتصال، وستدفع إلى أعادة النظر في الفكر التبسيطي حد التشويه السائد في الكثير من الكتابات التي تجتر بعضها بعضا في مختلف المؤلفات والمقالات والدراسات العلمية العربية والمحلية.

فشكرا للبروفيسور نصرالدين لعياضي الذي يتحفنا في كل مرة بدراسات علمية رصينة، راقية، تفتح الشهية للتفكير بعيدا عن السائد فيما هو سائد.

يمكن تحميل الدراسة كاملة بالنقر هنا


تعليقات

  1. لا يسعني إلا أن أحي المفكر نصر الدين لعياضي، لأنه يحاول دائماً الاجتهاد في نقد المفاهيم و الأطروحات، كما يحاول فهم الظاهرة الإعلامية في سياقاتها الحديثة، فلا يخشى إعادة النظر في بعضها بنظرة نقدية تفتح لنا الشهية في السير على خطاه، و الابتعاد عن الاستهلاك الأعمى لكل ما يأتينا من عندهم، بارك الله فيك و موفق إن شاء الله

    ردحذف
    الردود
    1. وأنا يسعدني كثيرا مروركم الجميل دكتورنا العزيز،
      وانتم أيضا مثال جميل يُحتذى به في العلم والاخلاق والتواضع
      خالص التحية لكم

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).