التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بومدين بوزيد يكتب: هل نحن نُمارِس "الحَرْق" بأنْواعِه؟

عرايا نحن، فمن يَستُر عَورَتنا؟

بقلم الدكتور بومدين بوزيد:

قال تعالى: "وما أصَابَكُم من مُّصيبة فبِما كَسَبتْ أيْديكم ويَعفُوا عن كثيرٍ" (الشورى، 30).

إن المشْهد المأسَاوي الذي شاهده العالم أمس في التّنكيل بجثّة شَاب وحَرْقه، "طُقسٌ" غريب كنّا نقرأ عنه في التّاريخ حال تصْفية المعارضين السّياسيين سواء عندنا أو عند شُعوب أخرى، وما زالت محرقة أولاد رياح التي قام الجنرال المستعمر بيليسيي تُروى بألم وحزن، إنّ "طقس الحَرق" أمس في ساحة بالأربعاء نايْث إيرثَن يُلخِّص بكثافة الضّغينة والكراهيّة التي "هي دَمٌ متخثِّر"، ونحن نَجني خطابها الذي انتعش منذ سنتين وانتشر كالنّار في الهشيم، ف"الكراهيّة والتّمييز العِرقي والّلغوي حَرْق"، والتّصريحات السّياسية التي تحمل الكراهية "حَرْق" والإعلام حين لا يُجيد صِناعته الإعلامية ويَلهث نحو الإثارة وزيادة المشاهدة "حَرْقٌ"، والجِهوية العَفِنة في التّوظيف والاستثمار والمنَاصب "حَرْقٌ".
نعم كُلّنا نُمارسُ "طُقُوس الحَرْق"، والحَرْق أنواعٌ، قد يَكون كلمةً أو فعلاً أو قراراً أو صُورة أو فناً، كما أنّنا نُمارس "الكَذِب" والتّضليل والبُهتان، وهو حَرْق للصِّدق والحقيقة، وينتعش الكَذِب في مجالين السّياسي والإعلامي، ولذلك فرْقٌ بين أن نُجانِب الحقيقة عن حُسن نيّة، ولكن أن نمارس "الكذِب" من أجل إلحاق الضّرر بالآخرين فهي "الجَريمة" وهي طقس آخر "لحَرق الصِّدق" الذي يبقى سَيفاً نازلاً من السّماء يَدمغ البَاطل كما يقول بعض العارفين.
منذ أكثر من سنة صدر قانون مكافحة التمييز وخطاب الكراهية في الجزائر ونصّ المرسوم على تأسيس مجلس لذلك وإلى اليوم لم يتأسّس؟ للأسف مازلنا لم ندرك جريمة "الحَرْق التي تَلحقُ التّاريخ والقِيم والوحْدة الوطنيّة" وهي أكثر بَطشاً وأصعب من أي وسيلة إخماد.
مصائبنا في إعلامنا الذي لم يَستطع مجابهة الكراهيّة وتوجيه الرّأي العام، فأغلب التحليلات التي سمعتها وتمجُّها النفس والعقل جعلت من نفسها الهيئة التي تُحقّق وتُصْدر أحكاماً انتقامية، لأن بعض هؤلاء لهم حَسيفة مع هذا أو ذاك فيحاول في تحليله إنساب الحَرق للذي يختلف معه أو هو عدوُّه أو يُبالغ في مُداهنة المسؤولين وهو "فِعلُ حَرْقٍ" أيضاً، ولو سَكت عنّا بعضُ الذين يُسمّون أنفسهم خُبراء لكان أحسن ورحمةً بنا وبالجزائر، ولذلك على سُلطة الضّبط بدَل أن تهنّئ على عمل هو من صُلب العمل الإعلامي أن تُنبّه إلى مَخاطر بعض التّحليلات على التّحقيق وفي منافسة الجِهات المسؤولة والمنُوطة بالتّحقيق، لم أرَ لغواً إعلاميا مثل ما نحن عليه في الأسابيع الأخيرة الذي يزيد من شُحنة الكَراهيّة وتضليل الرّؤية وحجْب الحقيقة.
#إن الفشل في تسيير والأزمة وإدارتها هو "حَرْق للزّمن" في ضياع الأرواح والبلد، وكُلّنا نُمارس "الحَرْق" ولو بالرأي الفاسِد والمشورة الغادرة.
ألسنا نمارس "طُقس الحرْق" بأنواع مختلفة؟، فالحَرْق أنواعٌ، ومنه ما يَصعب ويستحيل إطفاءه، الّلهم احفظ هذا البلد من "الحرّاقين" بمختلف أشكالهم وألوانهم السّياسية والثّقافية والإعلامية، قد تزول الأنظمة ولكن زوال الدّولة وهيبتها ومؤسّساتها هي "الحَريق الطّامة الكبرى".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).