التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كمال بومنير يترجم نص "القيمة الجمالية، الحساسية، وحكم الذوق" لميكيل دوفرين

 


تأليف: ميكيل دوفرين 

ترجمة وتقديم: كمال بومنير

ميكيل دوفرين (Mikel  Dufrenne) فيلسوف فرنسي معاصر، ولد في مدينة كليرمون عام 1910 وتوفي في باريس عام 1995. يعد دوفرين أحد أقطاب ما يسمى ﺑ "الإستطيقا الفينومينولوجية" (Esthétique phénoménologique) في فرنسا، وهذا تعميقا من جهته لجهود بعض الفلاسفة الفرنسيين الذين تأثروا بالفينومينولوجيا وحاولوا تطبيقها في أعمالهم الفلسفية والأدبية كجان بول سارتر وموريس ميرلوبونتي، كما حاول دوفرين أيضا تطبيقها في حقل الإستطيقا الفينومينولوجية وهذا مباشرة بعد تأثره بالمنهج الفينومينولوجي لأدموند هوسرل. كما أنه تأثر أيضا بأعمال سيغموند فرويد وثيودور أدورنو وغيورغ لوكاتش. هذا، وقد انصب اهتمام دوفرين فيما يخص تطبيق المنهج الفينومينولوجي على دراسة بنية العمل الفني سواء أكان لوحة تشكيلية أو شعر أو قطعة موسيقية أو فيلم سينمائي، الخ، وهذا بغرض الكشف عن الماهيات أو معاني من خلال التحليل الفينومينولوجي للخبرة الجمالية وإدراك الموضوع الجمالي ومعرفة دلالته المضمرة الذي يتأصل فيه العمل الفني. من أهم أعماله: "كارل ياسبرس وفلسفة الوجود"1947، "الشخصية القاعدية" 1953،"فينوينولوجيا التجربة الجمالية" 1953، "مفهوم القبلي" 1959، "الشاعري"1963، "معالم "1966، "الإستطيقا والفلسفة" 1967،"من أجل الإنسان" 1968،"الفن والسياسة" 1974،"العين والأذن" 1987.

النص:

    يمكن أن ينطبق حكم القيمة الجمالية على عدة أشياء من دون أن يتطلب ذلك منا اتخاذ موقف جمالي. يمكن أن نقول على سبيل المثال عن موقف شجاع إنه جميل، بل وحتى عن تفكيرٍ منطقي أنه جميل. علينا في هذا الموضع أن نشير إلى أنّ مفهوم الجمال مرنٌ للغاية. وكيفما كان الحال، فإنّ العديد من الأشياء يمكن أن تتوافق مع الموقف الجمالي. ولكن على العكس من ذلك، وعوض أن نقول عن شيء إنه جميل فإننا نقول إنه طيب ومفيد وأصيل ومثير للاهتمام.  بيد أنه يجدر بنا أن نضع نصب أعيننا أنّ ما يميّز جميع الحالات المتعلقة بحكم القيمة الجمالية هو -من دون شك- ادعاء الكونية (L’universalité) وهذا ما لاحظه كانط نفسه؛ فمعلومٌ أنه حينما أُصدر مثل هذا الحكم فإنني لا أستطيع أن أدعي أنه خالٍ من الموضوعية. ومن جانب آخر يمكنني أن أصدر أحكاماً ذاتية مثلما هو عليه الحال حينما أقول، على سبيل المثال، أنا أحب هذا العمل الفني، أو أنني أفضل هذا على ذاك. والحقُ أنني واعٍ كل الوعي أنني أعبّر عن أذواقي. وحاصل الكلام هنا أنني أحكم على نفسي لا على الشيء. أيّا يكن الأمر فإنه من الثابت في هذه الحالة أنني أميّز تمييزا واضحا بين الحكم الموضوعي والحكم الذاتي [..].

   من المعلوم أنّ الجميل ليس فكرةً أو نموذجاً وإنما هو صفةٌ موجودةٌ في بعض الأشياء الخاصة والمتميّزة التي يمكن إدراكها. والحالُ أنّ هذا الإدراك (حتى وإن تطلب مجهودا تعليميا ًكبيراً وألفةً مع الشيء أو الموضوع المُدرك) مرتبط مباشرة بكمال الشيء أو الموضوع المُدرك الذي يفرض نفسه بشكل ضروري. علاوة على ذلك، فهو محايث (Immanent) للمحسوس حتى لا يفقد الموضوع معناه. ووفقا لهذه النظرة، فإنّ الشيء الجميل يكلّمني، ولا يمكن أن يكون جميلاً إلا إذا كان حقيقيا. ولكن ماذا يقول لي؟ ما من شك أنّ الجميل لا يتوجه إلى العقل، كما هو عليه حال الموضوع التصوري أو الذهني، ولا إلى الإرادة العملية، كما هو عليه حال الموضوع الاعتيادي أو المألوف، ولا حتى إلى الوجدان كالأشياء الممتعة والمحبوبة لدى الإنسان. وكيفما كان الحال، فإنّ الأمر هنا يستدعي –من الشيء الجميل- حضور الحساسية (La sensibilité) حتى تبتهج وتُسّر. والحالُ أنّ هذا الحضور لا يتوقف على التحقّق المنطقي ولا على التحقّق العملي، بل يكفي أن نحّس به كشيء حاضر وملّح في وجداننا وفي العالم غير القابل للتحديد بلغة الأشياء أو بلغة الأحوال نفسية، بل هو مجرد وعد بهما، بحيث لا يمكن أن يسمى إلا باسم فاعله أو منتجه (أي الفنان المنتج للجميل): عالم موزارت Mozart أو عالم سيزان (Cézanne)

 وهذا على الرغم أنّ هذا العالم الخاص والمتميّز ليس عالما ذاتيا. وإذا كان الأمر كذلك، لزم أن يكون معيار الصدق الجمالي هو الأصالة: فحينما يكون الفنان المبدع ملهَما سيظهر لنا العالم من حيث هو طبيعة طابعة (Nature naturante) وكأنه يشير إلى شيء ما ويحثنا على الكشف عن جانب من جوانبه. فمن المعلوم أنّ كل عام أو خاص هو ممكن من ممكنات العالم الحقيقي الذي يعتبر أيضا بالنسبة للبشر عالمهم المعيش. وإذا قلنا عن شيء ما إنه جميل فإننا في هذه الحالة قد أثبتنا حضور إشارة لا يمكن اختزال دلالتها في مفهوم ما، بالرغم أنها تتطلب ذلك وتحث على بلوغه حينما تحدثنا عن طبيعة تكلّمنا لأنّ ذلك يرهف السمع بكل قدرته على الإنصات. وإذا كان الأمر كذلك، يكفي أن ننصت إليه بغض النظر عن الرسالة لنحكم بأنّ الموضوع الجمالي جميل بالفعل لأنه قد حقّق مصيره، ولأنه متوافق أيضاً مع الموضوع الحسي الحامل للدلالة. وبهذه الكيفية يدّعي حكمي الكونية لأن هذه الأخيرة تشير في حقيقة الأمر إلى الموضوعية.

Mikel Dufrenne, Esthétique et philosophie, tome1. Editions Klincksieck, Paris, 1976, pp 17-23.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).