التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كمال بومنير يترجم نص: "الحبُ بوصفه علاقة اعتراف متبادل" لمايويين رودو


تأليف: مايويين رودو

ترجمة وتقديم: كمال بومنير

مايويين رودو (Maiwenn Roudaut): فيلسوفة فرنسية معاصرة، تشغل حاليا منصب أستاذة محاضرة في قسم الدراسات الجرمانية بجامعة نانت Nantes .كان موضوع رسالتها للدكتوراه بعنوان "من التسامح إلى الاعتراف: من التنوير الألماني إلى مدرسة فرانكفورت". وقد كانت هذه الرسالة بمثابة اللبنة الأولى لكل أعمالها الفلسفية اللاحقة، باعتبارها باحثة متخصصة في فلسفة التنوير الأوربي، والألماني على وجه الخصوص. هذا، وقد انصب اهتمام مايويين رودو في السنوات الأخيرة على الفلسفة السياسية والاجتماعية، خصوصاً تلك التي تخص الاعتراف، وكل ما يرتبط به من مسائل وإشكاليات جديدة مطروحة حالياً في الحقل السياسي والاجتماعي والأخلاقي. من بين أعمالها: "مفهوم التنويرعند يورغن هابرماس" 2012،" الهوية والثقافة عند يورغن هابرماس" 2012، "التنوير والثورة: حول شروط تحرّر الإنسان والمواطن" بالاشتراك مع باتريك أوليفييه 2014، "التسامح والاعتراف" 2015. 

النص:

  لقد توصل أكسل هونيث في كتابه الموسوم ﺑـــ الصراع من أجل الاعتراف إلى حقيقة مفادها أنّ هيغل كان محقاً عندما اعتبر الحب "النواة البنيوية الأساسية للحياة الأخلاقية" لأنّ تطور البحث، وفي مجال التحليل النفسي على وجه الخصوص، قد أثبت أنّ أول تجربة للاعتراف يمر بها الطفلُ تتم من خلال علاقة الحب ثم الصداقة، وخاصة ما يتم عبر "التذاوت الأولي"(Intersubjectivité primaire) التي تتحدّد فيه العلاقة بين الأشخاص ضمن تكوين الفرد. علينا في هذا الموضع أن نشير إلى أنّ للحب عدة أشكال تتعلق بالعلاقات العاطفية (وخاصة الصداقة). يمكن أن نقول على هذا النحو إنّ الحب هو شكل من أشكال الاعتراف التي تتأسس على علاقة عاطفية من خلال الآخر باعتباره ذاتا لها حاجات وعواطف طبيعية تمكنها من تحقيق الثقة بالنفس (La confiance en soi). غير أنه يتوجب علينا أيضاً أن نشير إلى أنّ مختلف أشكال نكران الاعتراف المرتبطة بهذا الشكل الأولي (أي الثقة بالنفس) قد تهدّد السلامة الجسدية للذات، وبخاصةٍ في ظل أشكال الاحتقار والإذلال والانتهاك والعنف الجسدي وسوء المعاملة التي تعمل على إخضاع الذات.

أيّا يكن الأمر فإنه من الثابت في هذه الحالة أنّ علاقة الحب هي بالتأكيد علاقة أولية، لذلك فهي تشترط توفر إمكانيات أخرى للفرد لتحقيق ذاته، ضمن مشاركته الفعّالة والايجابية في الحياة الاجتماعية. في هذا السياق يمكن أن نعثر لدى أكسل هونيث على نوع من التراتبية (Hiérarchie) فيما يخص أشكال الاعتراف. وعلى هذا الأساس سيكون التقدير الاجتماعي هو قمة ما يمكن أن يتوقعه الفرد بشكل معقول من الاعتراف في الحياة الاجتماعية. ولكن ومع ذلك، يبقى لكل مجال أهميته لتحقيق المجالات الأخرى[..] على الرغم من الأهمية التي حظيت بها فكرة الحب لدى أكسل هونيث، إلا أنه اعتبره، على عكس الأشكال الأخرى من الاعتراف، غير خاضع للتحولات التاريخية. غير أنه، في ذات الوقت، استعاد الأطروحة الأولى بغرض إحداث قطيعة مع الرؤية الانثروبولوجية التي عرضها في كتابه الصراع من أجل الاعتراف بغية تفسير التطلعات الذاتية للفرد التي تسمح بتحقيق مطلب الاعتراف. لقد توصل في أعماله اللاحقة إلى حقيقة مفادها أنّ درجة تمايز مجالات الاعتراف هي التي تحدّد هذه التطلعات. علاوة على ذلك، انتقد أكسل هونيث وجهة نظر الطبيعية أو الأنثروبولوجية لرينر فورست (Rainer Forst) فيما يخص تفسيره الاحترام التي يجب أن يتم تجاه الفرد الاجتماعي.

ضمن هذا السياق يعتقد أكسل هونيث أنّ هذا الأمر مرتبط بالصراعات من أجل الاعتراف التي سمحت بتمييز تعقيد مجالات الاعتراف حتى تتناسب مع التطلعات الفردية. في هذا السياق يمكن أن يبدو مفيداً أن نشير إلى أنه لم يستخلص النتائج المترتبة عن أطروحته الأولى حول الصراعات من أجل الاعتراف إلا من خلال نقاشه مع نانسي فريزر، وهذا بفضل وجهة النظر التي تبناها إثر هذا النقاش. ويمكن أن نلاحظ ها هنا بالذات أنه تطرق في كتاب "إعادة التوزيع أو الاعتراف: مطارحات فلسفية –سياسية مع نانسي فريزر"، إلى الجانب المؤسساتي لتفسيره البنيوي لأشكال الاعتراف. والحقُ أنّ هذا هو بالذات ما سمح له بتبني وجهة نظر أخرى حول الحب والنظر إليه بطريقة مغايرة فيما يخص الشكل التحليل-نفسي Psychanalytique للعلاقة الوجدانية والعاطفية بين الطفل وأمه، وذلك لأنّ العملية التي سمحت للحب أن يكون مرتبطًا بشكل خاص من أشكال الاعتراف هو أن الحب مستقل عن العلاقات الأخرى. غير أنّ الأمر هنا متعلقٌ، أولاً وقبل كل شيء، بعملية أدت إلى النظر إلى مرحلة الطفولة باعتبارها مرحلة يحتاج فيها الفرد إلى عناية كبيرة بالمقارنة مع مراحل حياته الأخرى.

Maiwenn Roudaut, Tolérance et reconnaissance en débat. Des lumières allemandes à l’école de Francfort. Presses universitaires de Bordeaux, 2015, pp 227-229.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).