التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في مقاله الأخير؛ عبد الرحمن عزي يدعو إلى التخلي عن الهويات لصالح الحس الانساني

 



د. باديس لونيس

شارك البروفيسور عبد الرحمن عزي في العدد الخاص من مجلة المستقبل العربي الاحتفائي بوصولها الى الرقم (500). وكان عنوان المساهمة: "أولويات القضايا الإعلامية في الوطن العربي". وقد قسمها عزي إلى محورين أساسيين يتعلق المحور الأول بأولويات القضايا الإعلامية العربية، بينما تناول في الثاني الأسئلة الكبرى التي تواجه قضايا الإعلام العربي.

يرى عزي في المحور الاول من مقاله أن أولويات قضايا الشأن الإعلامي في الوطن العربي، يمكن تحديدها من خلال النقاط التالية:

- الوعي بمجال التنظير الإعلامي المتجدد؛ (حيث أن أية ممارسة إعلامية تكون دالة إذا استندت إلى أرضية معرفية تؤسس "الرؤية" لما ينبغي أن يكون).

- فكّ ارتباط الإعلام بالمجال السياسي من دون السياسة؛ ( هناك فرق بين التحدث باسم السياسة والتحدث عن السياسة)

-  ربط الإعلام بالموضوعية والعدل والكرامة الإنسانية

-  تنمية العقل الأخلاقي المستنير

- الفصل والوصل بين الدين والأخلاق؛ (حيث أن الدين مؤسسة تاريخية وإنسانية بامتياز إلا أن ممارسة قيمه إنما تكون فاعلة إذا انطلقت من منطلق عقلاني يمثل إسهام الفرد المتميز في الممارسة).

- التراجع عن الهويات وتنمية الحس الإنساني كغاية؛ (حيث أن التمسك بأية هوية ضيقة يؤدي إلى حجز الإنسان في حيز مغلق وإلى الصراع مع الآخر المغاير لا محالة.

-  تملّلك علم حل الازمات المحلية والإقليمية.

-  التوجّه نحو الفكر الآسيوي وليس الغربي فحسب.

وبعد أن استعرض عزي هذه الأولويات بشيء من التفصيل والشرح والتدليل، قدم في المحور الثاني مجموعة من الأسئلة الكبرى التي تواجه قضايا الإعلام العربي، ورتّبها كما يلي:

-  ما طبيعة الإنسان والمجتمع الذي يمكن تشكيله في وضعية الحداثة وما بعدها؟

-  هل المنطق العقلاني كافٍ في التعامل مع مشاكل الندرة وسعادة الإنسان؟

- هل تتحول القضايا الدينية والأخلاقية إلى قضايا شخصية بعيدا من تأثير المؤسسات؟

-  هل تتوجه المجتمعات نحو التكامل والتوحد أو التجزؤ والانشطار بفعل تراجع قيم التنوع والتسامح والمصالح المتبادلة؟

-  هل يمكن استبدال التصادم بالتدافع مع الآخر غربا أو شرقا من دون الانعزال أو الاندماج؟

-  هل يمكن الإبداع خارج مجال التكنولوجيا ومنتجاتها؟

- هل ستنقرض العلوم الإنسانية والإجتماعية ويتلاشى الاهتمام بموضوع الإنسان ذاته؟

-  هل ستختفي وسائل الإعلام بالكامل لمصلحة المواطن المشارك مباشرة في حياة المجتمع؟

ملاحظات سريعة حول المقال:

·  بصدور هذا المقال يكون عزي قد أعلن عن عودته للكتابة باللغة العربية بعد مدة زمنية تميزت بانتاجاته باللغة الانجليزية.

· في هذا المقال الذي وإن كان مركّزا مكثفا، ومباشرا في الوقت نفسه، إلا أن عزي قد طرح من خلاله مجموعة من النقاط التي يمكن تصنيفها على أعلى مستوى من الأهمية والاثارة للجدل في آن.

· وكما هو ملاحظ على الاولويات التي حددها عزي فيما يخص قضايا الشأن الإعلامي أو الأسئلة التي طرحها؛ فإنها فعلا تلامس قضايا إنسانية مصيرية، وتمثل تحديات فعلية كبرى تستفز العقول الجادة النيرة، وتمثل انطلاقات بحثية ذات أولوية في الطرح في سياقنا العربي الراهن.

·  يأتي هذا المقال في إطار التفكيري القيمي الذي نظر له البروفيسور عزي منذ سنوات عديدة، وبالتالي فإن الأفكار الواردة فيه لا تخرج عن المنطلقات والتصورات التي أسس لها.

·  ولكنه وأيضا يأتي هذا المقال ليسلط الضوء على بعض الأفكار (التي كانت غامضة) عند عزي ويوضحها ويبين معالمها الى الحد الذي لا يبق معه لبس رغم ان بعضها قد يثير جدلا .

·  يؤكّد عزي في هذا المقال على أهمية "ضمير الفرد" وأولويته بدلا من الثقافة العامة أو اللوائح أو مواثيق الشرف الإعلامية، ويتم ذلك بالعقل الاخلاقي المستنير. هذه الفكرة يؤكدها اكثر في سؤاله حول تحول القضايا الدينية إلى قضايا شخصية؛ حيث يرى أن هناك تأسيسا يتنامى لدى الأجيال الجديدة بعيدا من أي إشراف أووصاية المؤسسات الاجتماعية التقليدية وقادة الرأي.

· من القضايا الشائكة التي تعرض لها عزي في مقاله، موضوع الهوية والتي فصل فيها بشكل واضح جدا بأن دعى صراحة إلى التخلي عن الهويات الضيقة (قبلية، طائفية، عرقية، لونية، قومية، أو حتى وطنية ضيقة)، ورأى في الانتماء الأنساني بوصفه أعلى من أي انتماء آخر ضرورة حتمية لمعالجة الازمات من أصلها وربط الإنسان بما هو أسمى في العلاقة مع الآخر والبيئة الطبيعية والروحية.

·   أخيرا فإن المقال يعتبر بالنسبة للمهتمين بفكر عبد الرحمن عزي ونظريته (الحتمية القمية في الإعلام) أرضية خصبة ترسم التوجهات الفكرية المتجددة للنظرية وهو (المقال) يمثل بذلك بوصلة توجههم إلى القضايا الجديدة التي تستحق البحث حسب البروفيسور عزي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

تحميل جميع أعداد مجلة "عالم الفكر" من 1970 إلى 2016م