التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هكذا تكلّم أمبرتو إيكو

 

د. فيصل صاحبي:

نلجأ في غالب الأحيان إلى نظرية المؤامرة لتفسير الأشياء لارضاء الأنا المتعجرفة، حين يعجز "عقلنا" (و ليس العقل) عن فهم الظواهر و ظواهر الأشياء.'

كان أمبرتو إيكو يقول انه من الغباء تصديق "نظريات المؤامرة" لكنه من الغباء أيضا أن نعتقد أن العالم خالي من المؤامرات. و لا يوجد في المقولة أي تناقض إذ أن هناك اختلاف بين "المؤامرة" كعملية توافق بين أطراف، قد تحدث أو لا، و ما بين نظرة المؤامرة كجهاز براديغمي (أو منطق موازي) نلجأ إليه كلما عجزنا عن فهم الظواهر فنبسطها و نجعلها في متناول عقولنا و إدراكنا. إذن وجب الفصل بين المؤامرة ونظرية المؤامرة.

لامبرتو إيكو واحد من أكثر مفكري القرن العشرين اهتماما بنظريات المؤامرة (سواء في أعماله الأكاديمية أو في رواياته) و التي يفسّر وجودها (سيميائيا) في ثلاث أوجه :

أولا: من زاوية القصدية، اذ ان الجدل استمر مدة طويلة حول مسألة القصدية (Intentionnalité) من عدمها في إنتاج الدلالة داخل أنظمة العلامات. فالإيمان المطلق بنظريات المؤامرة هو ايمان كذلك بأن كل الدلالات داخل منظومة علاماتية هي مقصودة و مخطّط لها. في حين أن هناك اتجاه بحثي آخر في السيميائيات يصف و يحلل اللاقصدية في المنظومات العلاماتية التي قد تتجاوز فيها الدلالة إرادة المُرسل أو فهم المستقبل (لعدة أمور اوّلها أنه لا يملك الخلفية لفهمها).

ثانيا: تأثير السردية و الثقافة السردية (بشتى أشكالها الروائية، السينمائية و غيرها) على المخيال الاجتماعي و السردية تعتمد في عملها على الفواعل (بمعنى غريماس) فأدى ذلك إلى إنتاج سيميوسيز تختزل فيه العلاقات. اذ أن كثيرا من السرديات الثقافية تقسم العالم إلى صنفين: عالم ظاهر visible نجده في كتب التاريخ و الإعلام الخ و عالم خفي invisible تحكمه عُصب و يتجاوز فهمه حدود ادراك الشعب. أحد تحديات "المؤمن بنظرية المؤامرة" اذن، هو أن "يُطلّق" وضعيته كمنتمي إلى العالم الظاهر "ليصعد" إلى مستوى العالم الخفي و منطقه فيتخلّص من نعت "القطيع" لانه "يفهم" و "يدرك" ما لم يفهمه و لم يدركه أمثاله من القطيع. بورديو كان ليطلق عليه آلية للتميّز.

حسب بيكو فإن الناس لا تصدق الأشياء الحقيقية فقط و إنما القريبة إلى الحقيقة (ما تبدو أنها حقيقة) كذلك vraisemblables لانها "تطمئنهم" في علاقاتك مع العالم المحسوس و أنه لا يتجاوز بعد حدود إدراكهم.

من "العادي" إذن أن تظهر و تتفشى نظريات المؤامرة في ظروف مثل التي نعيشها. لكن ما هو "ليس عادي" أن نجد هذا النمط من التفكير عند النُخب و هو ما يعطينا فكرة عن مأزق العقلانية الذي نعيشه....

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).