التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مسلسل (RUN)؛ تناول القتل والخيانة بالكوميديا


د. باديس لونيس

شاهدت الحلقات السبع من الموسم الأول من المسلسل الأمريكي (Run) الذي أنتجته قناة (HBO) الأمريكية صاحبة أكثر المسلسلات نجاحا. وتم بثه أسبوعيا بداية من منتصف أفريل الماضي. ورأيت أن السلسلة مستفزة بالشكل الكافي الذي يدعو للكتابة حولها.

تتحدث السلسلة عم يمكن أن يكون قصة رومانسية؛ حيث تتمحور حول عاشقين: روبي وأدت دورها (Merritt Wever)، و بيل وأدى دروه (Domhnall Gleeson)؛ كانا قد اتفقا  سابقا عندما كانا في الجامعة؛ أنه لو حدث يوما ما وأرسل أحدهما للآخر رسالة (Run)، وردّ عليه الطرف الآخر بنفس الرسالة، فإن عليهما في هذه اللحظة ترك كل شيء والإسراع للذهاب الى  محطة (Grand Central Station)، ومن ثم أخذ قطار ليجوبا بعدها أنحاء البلاد.

يا له من جنون؛ خاطب به كتاب السيناريو جمهورهم المحتمل!

التنصّل من كل المسؤوليات، والكف عن التفكير في العواقب، وفي كل المدة الزمنية التي فاقت عشر سنوات من الفراق. ثم اتخاذ قرار سريع وواحد يتنكر للواقع ويغير كل شيء. القرار سيكون جنونيا أكثر، إذا عرفنا أن روبي متزوجة ولها أبناء. لن يكون جنونيا فقط بل إنه غير أخلاقي تماما.

يبدو أن صناع الفيلم (حتى وإن كانوا في سياق أمريكي متحرر) يدركون تماما ماذا يعني ذلك، بل ربما هذه هي النقطة التي سيبنون عليها آمالهم في شد الجمهور الى السلسلة وشد أنفاسهم ومن ثم وعيهم ولاوعيهم والصراعات الداخلية التي تختلجهم والتي من المحتمل ان تكون قريبة من فكرة المسلسل؛ جنون الانعتاق من الواقع والهروب دون كثير من الأسئلة.

لكن الهروب إلى أين؟

هنا يجب ان تكون بعض التوابل التي تضمن نجاح الفيلم، إنها الكوميديا.. وياله من خيار جريء أن نستخدم الهزل والكوميديا في موضوع جاد مثل: الخيانة!

في هذا السياق يجب الاقرار:كان اختيار الممثلين موفقا للغاية؛ شاب خفيف الظل، ساخر، وسيم بعض الشيء وامرأة في الثلاثينات من عمرها، ساخرة أيضا، جميلة، ولكن ليس جمالا كلاسيكيا، إنها ممتلئة وتبدو بريئة وحنونة.. وأما مثالية.

انطلق روبي وبيل في رحلة هروبهما ومعها تتسارع الأحداث وتتعقد الأمور، خاصة مع حدوث حالة قتل يبدو أن بيل كان بشكل ما مسؤولا عنها. هذه الحادثة التي تمت معالجتها من طرف كتاب السيناريو والمخرج بشكل جعل القتل يبدو أمرا يمكن المزاح فيه وتجاوزه كما نتجاوز كل الامور البسيطة التي نصادفها في حياتنا اليومية.

نفس المزاح والسخرية التي غطت على أية إمكانية من احساس روبي بالذنب مثلا، لخيانة زوجها وترك أبنائها لمجرد تلقي رسالة بها (اهربي) دون ان يرمش لها طرف.

الأمر لم يكن مقنعا واقعيا، ولا مبررا أخلاقيا.. ويدعو فعلا الى التساؤل: كيف وصل الأمر أن يعالج عمل درامي ما: القتل والخيانة بكل هذا المزاح والسخرية والكوميديا؟

مع الاشارة هنا إلى وجوب التفرقة بين الكوميديا السوداء التي تستنكر أفعالا معينة، و هذا النوع من الكوميديا الذي يجعل من الشر تافها على حد قول حنة أرندت.

الأمر لا يحتاج الى دراسة حول كتاب السيناريو ولا المخرجين، ولا صناع الفيلم فقط، إنه يحتاج الى دراسة معمقة للمنظومة الثقافية بأكملها. خاصة وأن هذا العمل لم يكن الأول في السياق الأمريكي، ولن يكون الأخير.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).