د. باديس لونيس
جامعة باتنة 1
لا يتوقف البروفيسور الجزائري نصرالدين
العياضي عن البحث والترجمة والكتابة؛ وهو فضلا عن نشاطه الأكاديمي كأستاذ في جامعة
الجزائر3، فإنه لا يتوقف أيضا عن تسجيل حضوره النوعي والقوي في الفضاء الثقافي
والفكري والإعلامي على الساحة الجزائرية والعربية. وتُعتبر انتاجاته العلمية
والفكرية علامة فارقة وإضافة مميزة يشهد لها ويشيد بها الجميع ممن عرف قدر الرجل
واطلع على جهده الذي يعتبر بمثابة بوصلة للكثير من الباحثين والطلبة في مختلف
أقسام علوم الإعلام والاتصال على مستوى الجامعات الجزائرية والعربية.
ويتنوع نشاطه؛ بين محاضرات ومداخلات يلقيها
هنا وهناك، وترجمات لأهم ما يُكتب في الإعلام والاتصال، وبحوث علمية مميزة تُنشر
في مختلف المجلات المحكّمة، ومقالات تحليلية تتزين بها مجلات عامة وجرائد وطنية وعربية،
إضافة الى كتب ومؤلفات تجمع أفكاره وتكشف عن ملكات الابداع لديه. وآخر هذه الكتب
جاء بعنوان: "الميديا: مسرات وخيبات".
وعن هدف الكتاب و جمهوره المستهدف يشير نصر الدين
لعياضي في مقدمته بأنه "موجه لعامة القراء، وكل المهتمين بالصحافة والإذاعة
والتلفزيون وشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ولا يستهدف أهل الاختصاص فقط
إلا أنه يتيح لهم فرصة الخروج من الإنغلاق، والنأي عن "الدوكسا" (Doxa)، والانعتاق من
الأيديولوجيات التي تعدّ بمثابة منظومة تخفي التناقضات وتتستر على المفارقات. وإن
تسنى لهم ذلك فإنهم ينتهون من قراءته بما يساعدهم على مطارحة البديهيات التي تضلل
الرؤية لواقع الإعلام والاتصال وتعيق فهمها. المطارحة التي نعتقد أنها تفيدهم في
تجديد فهمهم لمتن الإعلام والاتصال ومن خارجه".
الكتاب عبارة عن مجموعة من النصوص التي يبدو
أنها قد نُشرت سابقا على شكل مقالات تحليلية عبر جرائد ومجلات مختلفة في الجزائر
والإمارات العربية المتحدة. نسقها ورتبها الكاتب بشكل سلس تتيح للقارئ الانتقال من
نص إلى آخر بمتعة وانسيابية، ومع ذلك فلن يضرّه شيء، ولن يؤثر على انسجام افكار
الكتاب، لو أنه قرر اختيار نص مختلف في كل مرة لجاذبية وإغواء في عنوانه لا يُقاوم دون مراعاة ترتيب الفهرس؛
فالنصوص كما سماها الكاتب عبارة عن نفحات من الثقافة والفكر والفلسفة
والتاريخ وعلم النفس والاجتماع والأدب واللسانيات التي تُساعدنا على تفكيك بعض
السياقات.
نفحات اتّسمت بلغة جميلة ومميزة: لا هي بأكاديمية
جافة ولا هي بأدبية مسهبة في الاهتمام بالشكل، ولا هي بلغة صحفية لا تروم إلا تقرير الحقائق ولا تعتني إلا بأجندة خاصة
في لفت الانتباه إلى أحد الأسئلة أكثر من سواها؛ إنها أشبة ببستان من
الأزهارالجميلة؛ لغة تستعذبها دون أن تأخذك عن الفكرة. تستهويك دون أن تحيلك الى
هامش المتن والمعنى.
نفحات اتسمت بتنوع مواضيعها كفيض من الدهشة
لا ينتهي؛ كلما فكرت أن موضوعا من مواضيعها قد تم طرقه وهرسه وما عاد يستهوي، إلا وخاب
ظنك ووجدت أن النبع دفّاق بالأفكار الجديدة والتحليل الجذاب والمقنع والمستند الى
تجارب فذّة ثرية. نعم إنها نفحات من وحي التجربة التي مر بها البروفيسور لعياضي في
مختلف السياقات والفضاءات، واستحضرها بكثير من الحميمية والنقد العذب، والواقعية
السحرية التي تجعلنا ننظر إلى ما كنا نعتقد أنه روتيني بكثير من الدهشة كما
أشار إلى ذلك في أحد نصوصه شارحا هذا المفهوم.
وأعتقد أن قراءة هذا الكتاب الذي صدرعن منشورات الوطن اليوم في 2018، ستخلّف لدى القارئ عبر 186 صفحة، احساسا ممتعا وعذبا، وستفتح له زوايا كثيرة وأفاقا متعددة للنظر، وستوسّع
من مداركه وأيضا ستستفز فيه ملكة التفكير والتأمل. وهو مفيد بشكل خاص للباحثين
المبتدئين وطلبة الدكتوراه الطموحين؛ لأن نصوص الكتاب ستقدم أمامهم تجربة مميزة
وغنية لباحث كان ومازال يقدم مثالا يحتذى به في النشاط الدؤوب والإبداع المستمر
والتفكير الذي لا يتوقف.
تعليقات
إرسال تعليق