التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سير الحراك وفق منهج الاصطفاف ( رؤية نقدية )


د.نورالدين لبجيري

مقدمة

كنت كالكثيرين أتتبع تحليلات بعض الباحثين والفاعلين و(المشاهير) بنية الاستفادة وامتلاك الوعي، لكنني لم أكن معزول المورد وأنا أقرأ تحليلاتهم، فقد كنت أجري عمليات عديدة موازية لعملية القراءة والتتبع هاته؛ مثل الاجتهاد في التعرف على عالم أشخاص هؤلاء الفاعلين و(المشاهير)، وعلى أفكارهم المتصلة بالقضايا التي حصلت في وطننا الحبيب وفي محيطه العربي والاسلامي والافريقي والعالمي، كما كنت أُعمل عقلي في المقارنة واستنتاج بعض الاتجاهات التي يدعوننا إليها، ولقد سمحت لي هذه الأمور من تجاوز ما يتعلق بحسن نيتهم وحسن ظني فيهم إلى ملاحظة تأثير ذلك على الأفراد وحركة الحراك اتجاه مطالبه، فسجلت ملاحظاتي حول ذلك، عبر تحديد الآليات التي استخلصتها من مقالاتهم وشعاراتهم، كما حاولت التنبيه إلى الجزء السلبي في هذه الدعاوى –بحسب رؤيتي -، مقدما في الأخير مجموعة من البدائل لتجنب ذلك.

أولا: نقد آليات عرض الأفكار المرتكزة على المنهج الاصطفائي

تشكل الآليات نقطة مظلمة في مسار الانتباه إلى الأفكار المعروضة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر الوسائط الاتصالية الجديدة، لكنها مهمة في إدراك طبيعة الأفكار واتجاهها، ومسارها العام، نحو إعادة تشكيل الوعي الجمعي، ولقد حاولت استنباط بعض الآليات المضرة وغير السليمة، التي وظفها بعض الفاعلين في الفايسبوك وبعض (المشاهير) في نشر أفكارهموالمرتكزة أساسا على المنهج الاصطفائي، وهي:

1- اعتماد آلية تصنيف الناس في معرض ضخ الأفكار

حيث يلجأ بعض الفاعلين إلى تصنيف الأفراد قبل عرض الأفكار، مع جعل الفكرة التي يعرضها والموقف الذي يتبناه هي في الصنف المختار والمحمود، وهي آلية كثيرة التوظيف في هذا المنهج، لقوة رعبها وتأثيرها في هذا الجو المشحون بالعواطف، والموغل في الخوف من لحظة بزوغ الشك في النفوس وفي مواقف الأفراد، ويمكن القول بأن هذه الآلية فعالة في سرعة اتخاذ المواقف من طرف المترددين في بناء مواقفهم اعتمادا على أنفسهم، وهم غالبية المواطنين، فهم ينتظرون في الغالب رأي الموجه لاتخاذ القرار النهائي، فيأتيهم على شكل فكرة مغلفة بالخوف من الفكرة المضادة التي توصف بأنها فكرة العدو.

2-اعتماد آلية توظيف المصطلحات المنتجة في دوائر ضيقة:

 لا يعني أن هذه المصطلحات خاطئة كليا أو بعيدة عن الواقع بشكل كبير، ولكنها مصطلحاتلا يشترك جميع الأفراد في فهمها وفي إدراك دلالتها، ولذلك تجد أن التعليق عليها متعدد، ذلك أن دلالتها الحقيقية هي في ذهن الكاتب فقط، فهي تحمل تداخلات وإسقاطات متعددة (مثل كلمة الارهاب: المصطلح الذي جر المنظومة العالمية إلى حيز الفعل الدولي والذي وُظِّف بدلالات متعددة ومتناقضة)، الهدف من خلق هذه المصطلحات وجعل مدلولها عام، هو:لجعلها حاملا وجوفا للرأي المخالف؛ أي جعلها الوعاء الذي سيتم حشر المخالفين فيه، عبر استخدام أسلوب التخوين أوالتخويف من الاصطفاف مع العدو....، ونحن نرى بأن ضرر هذه الآلية كبير وخطير، حيث يؤثر بشكل مباشر على انتشار الوعي السليم، وعلى تشاركية الأفراد في مناقشة القضايا الآنيةوفق رؤية بناءة،كما أنه مؤشر على ميلاد الكبت والفردانية، والتفكير الأحادي، في الوقت الذي نسعى إلى محاربة هذه الأشكال، وهذه السياسات في المستويات الحياتية الأخرى، ذلك أن الرؤية الأحادية، والتفكير الفرداني هو مدعاة لتأصيل عقد الشخص ومنظوراته المتخيلة لحركة الواقع الجمعي في الرؤى المقدمة كحلول لأزماتنا.

3- نسبة الرأي المخالف إلى العدو الذي أشارت له التصنيفات–المصطلحات-:  

يتجه الأشخاص الداعين إلى الفكر الاصطفافي إلى محاولة نسبة الآراء التي تعارض تصوراتهم إلى العوالم التي صنفوا من خلالها حلبة التدافع والصراع، فكل فكرة رأوا أنها خطيرة إنما هي من فعل وإنتاج الطرفالآخر (الدولة العميقة، الكيان الموازي، جماعة تيزي وزو/الوطنيين، العلمانيين/الاسلاميين...الخ)، وهي آلية تابعة ومكملة للآليات الأخرى، ونقطة ارتكاز لها، والحقيقة –في نظري- أننا نحتاج فعلا إلى الحزم في بعض القضايا والرؤى والحلول التي نقدمها، لكن ليس من طرفنا كباحثين ومجتهدين وناشطين في مجال نشر الوعي، بل من طرف قادة فعليين (وهو الأمر الغائب في حراكنا)، كما أننا لسنا في معركة عسكرية تتطلب الفعل الآني الصحيح والسليم، بل نحن في مرحلة تدافع بين اتجاهات، لسحب دائرة الفعل من العصابة، ولتقديم حلول رضائية تتوافق وأفكار مجموع الشعب، وهو ما يتطلب الصبر والثبات، والتدرج في النضال لتحقيق المطالب، وليس معركة عسكرية حاسمة يتوقف عليها كل شيءفي الدولة.

4- اعتماد الشخص منطق الجزم في القضايا الاستشرافية

آراؤنا الاستشرافية هي محض احتمالات، صحيح أنها قد تُبنى على فهم عميق للواقع والتاريخ، وعلى استنتاجات منطقية لمسار الأحداث، وتوظيف متناغم لآليات الاستحضار والتنبؤ، لكنها تبقى احتمالية، وإن محاولة تقديمها على إنها حقيقة يعد خطأ وسوء نية، ويمكن لنا ونحن نتتبع الآراء الاجتهادية للعديد من الفاعلين في تأطير الحراك أن نتأكد من حضور هذا الأمر بقوة، بل اتجه الأمر إلى الدعوة المبطنة لإلغاء الجميع والادعاء بأن فلان وفلان هو الأوحد في فهم مسار الصراع والتدافع في الجزائر، وقد نكتشف بين الحين والآخر زيادة نسبة حضور الغرور في واقع بعض الفاعلين لدرجة مقززة، وخاصة ونحن نقرأ لهم: '' لقد كانت تحليلاتي صحيحة 100%''، وقد تتفاجأ فعلا وأنت تعيد شريط آرائه وتحليلاته، سواء من حيث سلامتها مع منطق سير الصراع، أو من حيث وجود التناقض فيها.

5-اعتماد منطق المخالفة المطلقة أو اللاتشاركية: 

وهو منطق لا يسمح بوجود تدافع بين الاتجاهات الموجودة في الجزائر على مستوى الأفكار كبديل تغييري حقيقي، وإنما يسمح بإنماء الصراع الذي أصلته منظومات الحكم منذ الاستقلال، والمتمثل في صراع من أجل الاقصاء والإزالة، رغم أن جزءامن هذا التصور صحيح، وهو ما يتعلق بالصراع مع عالم أشخاص المنظومة الاستئصالية أو مع طليعتها، لكن هذه الآلية لا تصلح للاعتماد عليهافي حلالاختلافات الايديولوجية والفكرية والاجرائية الموجودة في واقع المجتمع وفي دواليب مؤسساته الصغيرة والكبيرة، المدنية والعسكرية.

6- اعتماد أسلوب التعميم

سحب الفكرة على مساحة أعم من مساحتها في الواقع، وعلى أشخاص بعيدون كل البعد عنها، وعلى وقائع لا تحتملها، وعلى أزمنة غير مستغرقة فيها، وهو الأمر الملاحظ في الكثير من التحاليل المقدمة للأحداث والمواقف الحاصلة في مسار الحراك الشعبي، وخاصة التقديرات المتعلقة بحجم حضور الأطراف الأكثر خطورة في المنظومة العاتية في دواليب الفعل السياسي والإداري، حتى لجأ بعض الأفراد إلى تصوير كل ما يقع للحراك من أنه نتاج مخطط فئة معينة علة خطورتها في الواقع (وهي ما يسمونه بالدولة العميقة).

7- اعتماد أسلوب ''التخويف من الاصطفاف مع العدو''للدفع بقبول الرأي

بدل تقديم الأفكار للمناقشة والتحليل ومحاولة الدفاع عنها بالحجج المنطقية، فقد تم اعتماد هذه الآلية لرفض كل الأفكار والآراء والحلول التي قدمت، وكانت ذات علاقة تقاطعية مع حلول تم تقديمها من أطراف تنتمي للمنظومة العاتية، أو من أطراف نختلف معها في الاتجاه ونتشارك معها النضال ضد منظومة الحكم العاتية.

8- اعتماد أسلوب التركيز على الجزئيات، 

بجعل الصراع على الجزئيات ( الجنرال توفيق، بوتفليقة– السعيد وعائلته، أويحي، حداد، بدوي، بن صالح، الباءات، ....)، حيث تتجه بعض الآراء إلى تركيز الاهتمام على القضايا الجزئية وإهمال الهدف من هذا التدافع، وهي آراء موجهة لدائرة الحيز الذي ينبغي أن يقع فيه الصراع، وخاصة الآراء التي تسحبنا دائما إلى دائرة عالم أشخاص منظومة الحكم الآنية، من خلال تصوير الصراع مع أشخاص بعينهم دون سواهم،وهو منطق يحيل الفعل التغييري إلى صراع غير منتهي –لأن الأشخاص يمكن أن يتم استبدالهم بشكل متتالي-، وصراع بدون هدف استراتيجي، ولذلك نرىضرورة الاهتمام بالهدف الاستراتيجي، وجعل الأفكار المؤصلة لطرق الوصول إليه وسائل يمكن تجاوزها وتغييرها بما يتناسب والوصول إلى الهدف الاستراتيجي، وعليه فالتدافع لا ينبغي أن يتمحور حول عالم الأشخاص (على أهمية طليعة عالم الأشخاص في تثبيت الهدف أو زعزعته) كهدف استراتيجي وإنما حول عالم الأفكار الذي أصل لوجود هذه المنظومة العاتية، مثل التركيز علىمحاربة الأفكار الآتية:
- الاقصاء والاستحواذ.
- تقديم المصلحة الشخصية والفئوية على المصلحة العامة.
- تطويع القانون للشخص والفئة.
- الالحاق بالآخر الغربي.
- بتر الفعل الجزائري.
- إلغاء عمل المؤسسات.
- رفض الكفاءات.
- تمحور السياسة الداخلية حول كيفية توزيع الثروة لكسب السلم الاجتماعي بدل السعي لبناء اقتصاد حقيقي وعالم ثقافي أصيل ووضع اجتماعي متزن.
-  ... ...الخ.
ولذلك يكون طلبنا لتغيير الأشخاص بسبب أفكارهم السابقة، وليس لذواتهم، وعليه نرفض أي شخص يحمل نفس الأفكار من أن يتواجد في طليعة تسيير البلاد حتى ولو كانت مكانته الاجتماعية والقومية عالية، ولو كان من الملتحقين بالحراك.

9-اعتماد أسلوب التهويل للقضايا والتضخيم لآثارهاوالتعظيم للرؤى المتصلة بها:

حيث يكثر استعمال هذاالأسلوب عند انتشار الإشاعات، واختفاء الحقيقة أو عند طمسها من طرف المتربصين بالشعب، الساعين لسحبه إلى دوائر مشبوهة، وأساليب قاتلة.

10- اعتماد اسلوب التحريش

وهو أسلوب خسيس يلجأ إليه بعض الأفراد الرافعين للرايات بهدف التشويش على غيرهم والعمل على زيادة مساحة التمدد، وقد يكون للخوف من المستقبل أثر في ذلك، لكن هذا ليس مبررا مشروعا، بل قد يكون من إيحاءات النفس التي تسعى إلى الاستحواذ، وتركن إلى الفعل السلبي اللاغي للتدافع المنتج، أما إذا كان استخدام هذا الأسلوب هو بسبب وجود بعض المبررات التاريخية، المتصلة بحالة بعض الأشخاص، الذين عاشوا الفعل السياسي في أطر المنظومة العاتية فهذا مقبول بضوابطه المتصلة أساسا بصحة المعلومات، وبالشفافية في الالتزام الأخلاقي في التعرض لهم وبرفض تمثيلهم لنا، لا وجودهم معنا، أما التخوف من أشخاص لم يعيشوا الفعل السياسي التاريخي في إطار المنظومة العاتية، والتحريش بهم لمجرد اختلافنا معهم في التوجه والمذهبية، فهو -في نظري- سوء تقدير للجهد النضالي، وارتكان إلى الفعل السلبي، الذي يرفض حضور الآخر نهائيا.

ثانيا: التنبيه على خطورتها

يبدو أن سير الأحداث قد أشعر الكثيرين بخطأ بعض الاختيارات المتصلةب:
- دفع أغلبية أفراد الحراك إلى الاصطفاف ورفع الرايات والسعي إلى حشد القوى في بعض الأماكن (الجزائر العاصمة خصوصا) والأطر المهنية والجمعوية.
- والرفض المطلق للمخالف.
وتعجيل التدافع وجعله يسير وفق منطق الصراع والتطاحن.
 لقد بسطالمنطق الاصطفافيخطورتهعلى جوانب عديدة تتعلق بتقديراتنا لمستوى الأفكار التي قدمت كحلول للقضية، بل كان ينظر إليها رغم وجاهتها أنها من إنتاج (الدولة العميقة، الكيان الموازي، العصابة، جماعة تيزي وزو/الوطنيين، الاسلاميين/العلمانيين،...)، وتم التخلي عنها بعد حشرها في هذا الوعاء، مع أن القضية الأساسية مازالت عالقة، وأن الحلول المقترحة جميعها يمكن أن تكون سليمة كما يمكن أن تكون غير سليمة، وأن اتجاهها في ذلك إنما هو مرتبط بالنوايا الحسنة في التغيير وبصدق الفاعلين فيه أكثر من النظر إلى شكلية الحل، فالمتخصصون في القانون الدستوري قد أبدعوا في عرض اقتراحاتهم للخروج بحل دستوري يرضي الشعب، ولكن الفاعلين من المنظومة العاتية أبوا ذلك ورفضوه عمليا، وهناك من الساسة من قال: ألستم أنتم من طالب بالحل الدستوري؟فكأنهم قدموا الحلالحرفي (وفق القراءة الحرفية للدستور) نكاية في الشعب.
وفعلا فإن نسبة معتبرة جعلت تقديم حل آخر غير الحل الدستوري هو سير في مخطط الطرف الأكثر خطورة في المنظومة العاتية.
علينا أن نؤكد دائما على إننا في حاجة إلى قبول عرض جميع الاقتراحات البناءة للخروج من هذا الوضع غير السوي، عبر السماح لجميع الفاعلين (ممن لم يكونوا في طليعة عالم أشخاص المنظومة العاتية التي حكمت البلاد في العقود الثلاثة الأخيرة)، والذين دخلوا في الحراك الشعبي، وقدموا مواقفهم علانية وصريحة اتجاه ذلك، من عرض اقتراحاتهم لحل القضايا المستجدة في الحراك، ومن مناقشة الحلول الأخرى بعقلية المتخصصوبمنطق علمي واعي، وبآليات واقعية فعالة وأصيلة
إننا نرفض إسكات الأصوات ونعتبره إسكات للحقيقة التي يمكن أن تكون في هذا الكم الهائل من الاقتراحات والرؤى التي تقدم وتعرض وتنشر، وننظر إلى فعل الاسكات هذا على أنه توجه ذو بعد انفرادي بالفعل العام، وأنه استحواذ غير مبررلجهود الآخرين وتضحياتهم.

ثالثا: الوعي الملتزم أو أخلقة الفعل (نقد بناء + أفكارمنضبطة= وعي ملتزم وسلوك سليم )

أعطت أفكار ''المرحلة الدافعة''شحنة روحية قوية للحراك، لكن مع اجتيازنا لتدرج التمدد ودخول فئات عديدة في الحراك، لا حظنا تأثيرها القوي على توجه الحراك -في المرحلة الثانية-''وهي مرحلة التمعقل''،حيث حاول أغلبية الأفرادفي هذه المرحلة الاصطفاف،عبر الانخراط الايديولوجي والمذهبي والحزبي والعرقي والفئوي عند تقديم تصورات لطريقة تصحيح الوضع (يشير الوضع إلى الجانب غير السويفي الواقع)، والأمر في منظوره العام ليس خطأ ولكن أن يحصل هذا الأمر تحت آليات غرس أفكار الاصطفاف، هو المشكل والأزمة التي يمكن أن تؤثر فعلا على وصول الحراك إلى أهدافه،خاصة وأننا ما زلنا نناضل من أجل التغيير، ومازالت العصابة في مراكزها. 
وفيما يلي تقديم لرؤيتيفي تجاوز هذا الوضع المختل، وهو مؤسس على اعتماد الناشطين في توعية الشعب على الآليات الآتية، في عرض أفكارهم ورؤاهم ومناشيرهم:

1-عرض التحاليل الاستشرافية بمنطقاحتمالي مع تجنب التعالي على أفراد الحراك وتجنب مخاطبتهم من برج عال

نحن في مرحلة تكريس أفكار الحريات، .......، ينبغي أن يسير عرض القضايا وفق منهج غرس قيم الحوار والتشارك وليس وفق منطق القائد النافخ في بوق الأوامر والتعليمات، علينا أن نعلم بأننا سواسية في مستوى وعينا بوجوب التغيير، و الاختلاف الذي بيننا كأفراد في الحراك هو في مستوى إدراك الفعل الصائب للحراك، وفي تقدير المواقف المتصلة بالأحداث المستجدة وطرق التعامل معها.
لقد استغربت من أحد الأخوة – رغم مكانته المتميزة وجهوده الطيبة- عندما وصف موقف أفراد الحراك من آرائه بجمل من عالم الملوك، مثل: ''الشعب الساذج والبدائي''، و'' كيف نثق في شعب تقوده ثلة مشبوهة''، ''الحراك ليس حراكا إذا لم ...كذا وكذا وكذا...''.
 ما أحوجنا إلى بناء ثقافة تشاركية بناءةومنفتحة، تحارب أفكار المنظومة العاتية المتصلة بفرض الاقصاء والتخوين، وما أحوجنا كذلك إلى رفض إدراج طليعة عالم أشخاص المنظومة العاتية وأطرافها كبنية متكتلة في الفعل الاجتماعي الجديد.

2- نقد الأفكار المتصلة بالحوادث لا ''الأشخاص منعزلون عن قضاياهم'':

من يدعي أنه يملك الحقيقة المطلقة عليه أن يعيد حساباته، فنحن جميعا متساوون في الوعي بحقوقنا،وحتىفي قدرة الكثير منامن إبداء رأيه في تصحيح الوضع، نحتاج فقط إلى أن نساعد بعضنا على امتلاك المعلومات الصحيحة والسليمة نحو القضايا المتصلة بمحيطنا والأشخاص الفاعلين فيه، وهو ما سيبرز أهمية بعضنا لبعض في إنجاح مسار التغيير، والحاجة إلى التكامل والتشارك بدل الانفراد والاستحواذ.

3- آلية عرض الأفكار وفق منطق يحترم ترتيب الأولويات:

لا نقدم قضايا الغد ونترك قضايا اليوم، فحين تثار بعض الجزئيات المتصلة باتجاهات أطراف الفعل الاجتماعي نكون أمام تعجيل فتح النقاش في قضايا هي من مرحلة البناء، نحن مازلنا بعد في مرحلة النضال (المرحلة الدافعية + مرحلة التمعقل)، ولقد أشرت في مقالة سابقة إلى أن المرحلة الحالية هي مرحلة نضال على المستوى الخارجي ومرحلة وضع نقاط التشارك على المستوى الداخلي، لأننا في مرحلة التمعقل التي جاءت بعد المرحلة الدافعة وسنتجه إلى مرحلة البناء بإذن الله،ومرحلة التمعقلهي مرحلة أتوقع أن تمتد إلى حكم الرئيس المنتخب، فمن باب ترتيب الأولويات علينا أن نؤجل قضايا مرحلة البناء إلى وقتها،سواء ما يتعلق بنشر الخيارات الايديولوجية لبعض الأطراف أو بالدفاع عنها، أو ما يتعلق بطرق تنظيم وتسيير الجوانب الاقتصادية والتشريعية وقضايا السياسة الخارجية.
فمن باب ترتيب الأولويات علينا أن نؤجل قضايا مرحلة البناء إلى وقتها، سواء ما يتعلق بنشر الخيارات الايديولوجية لبعض الأطراف أو بالدفاع عنها، أو ما يتعلق بطرق تنظيم وتسيير الجوانب الاقتصادية والتشريعية وقضايا السياسة الخارجية.

1-آلية عرض الأفكار بمنطق يحترم معادلة التمركز نحو الهدف وليس نحو قلب الحراك:

 يعمل الكثير– بشكل مباشر أو غير مباشر- على سحب مركز الحراك إلى اتجاهه ومشروعه، وهذا مضر، وعامل مفكك للفعل الاجتماعي، حيث نرى أن اعتمادآلية عرض الأفكار بمنطق يحترم معادلة التمركز نحو الهدف سيسمحبالعمل على مستوى أطراف الحراك، والاجتهاد فيما بينهم بقدر المستطاع في التنافس على إنجاح هدف الحراك، بدل الصراع على المركز، وعلينا الانتباه إلى الصراع على قلب المركز سيعطي فرصة ثمينة للمنظومة العاتية للراحة وضرب الطرف المنتصر.

2-آلية عرض وتعديل الأفكارعلى ضوء مستجدات المراقبة المستمرة لفعل المنظومة العاتية مع العمل على استثمار كل جهد يساهم في تسريع وتيرة التفكيك:

وخاصة ما يتعلق بصراع عالم أشخاصها، وتورطهم في قضايا الفساد المالي، وما يتعلق بإعادة هيكلة أطراف المنظومة، مثل الصراعات المتصلة بصعود أشخاص من المنظومة البائدة ولكن من الذين عانوا التهميش في أطرهم ومنظماتهم.

3- آلية عرض الأفكار الخادمة للسلم الداخلي (بين أفراد الحراك) بدل التخوين والاستدراج للفخاخ

علينا محاربة كل الأفكار التي تعمل على تفتيت الحراك وتحييد رجالاته، فنرفع الشعارات: لا لتحييد فئات من الحراك، لا لتخوينهم، لا لإرجاعهم إلى دائرة المتفرج، لا لحرمانهم من بناء مستقبلهم.

4-  آلية إبراز الأفكار ومناقشتها بدل تضخيمها و/أو رفضها وتخوينها

انطلاقا من إيماننا بأهمية كل الأفكار في رسم المسار الصحيح للتغيير، وفي أن تشبعنا بهذه المبادئ هو أحد الضمانات القوية على سلامة سيرنا نحو تحقيق الهدف.


رابعا:بين عدم الاصطفاف وعدم الانتماء (الانتساب)


قد يفهم البعض كلمة عدم الاصطفاف، أن يكون الفرد غير منتم لأي مذهب أو حزب أو جمعية أو اتجاه...الخ، وهذا خطأ، وإنما قصدنا:

''الاصطفاف الذي يلغي الفعل الاجتماعي التشاركي للفرد إلا تحت فكرة الراية،" مثل:

-  رفض السير في الحراك إلا تحت الرايات: وقد برز هذا الرأي بشكل لافت في محطات معينة من مسيرة الحراك، وتمظهر على سبيل المثال: في اختيار إجراء المسيرات من طرف بعض الاتجاهات ليوم مختلف عن يوم الجمعة -اليوم الذي ارتضاه مؤسسو الحراك لانطلاقه-، كما تمظهر أيضا في لجوء بعض القطاعات المهنية لاختيار أيام أخرى للاحتجاج والتظاهر، رغم أن بعضها يحمل الطابع العفوي، لكن أكثرها قد تم بناءً على فكرة الاصطفاف.
ويظهر الشكل الأخطر له في رفض بعض الأطراف أداء مهامها الدستورية والقانونية، مثل رفض أطراف في هيئة القضاء تحريك دعاوى قضائية ضد أشخاص لأسباب قد تكون سياسية أو أيديولوجية.
- رفض الآراء المتعلقة بإنجاح الحراك إذا كانت صادرة عنطرف آخر يختلف معه الرافض سواء في المذهب أو الأيديولوجية أو الانتماء الحزبي...الخ.
- تقديم رؤى تتعلقبقضايا مرحلة البناء وفق منطق أيديولوجي و/أو عرقي و/أو استحواذي إقصائي.
- تقديم واقتراح رجال يقودون المرحلة الانتقالية من دائرة ضيقة (داخل الحراك)، أو من الوعاء المستهلك (الافراد الذين سبق لهم الاشتغال في صفوف طليعة منظومة الحكم العاتية)، لأن كليهما يقترح لدوافع تتصل:إما بنصرة الراية أو لمصلحة مرجوة، وليس بدافع التغيير نحو الأفضل.
الاصطفاف:هو أن نجعل الفعل الاجتماعي التشاركي للفرد نحو إنجاح التغييريتم تحت فكرة الراية (أيديولوجية – عرقية – فئوية ...) فقط



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).