التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المفكر محمد شوقي الزين يكتب: السلاحف والزواحف في وصف موقف المثقف من المسيرات والهتافات والهواتف.



إزاء الحراك الشعبي في الجزائر، هناك أصناف ثقافية طريفة لها موقف يتأرجح بين التعالي والتعاطف، يتوسطهما الحياد؛ هي أصناف بمنزلة ألوان متدرجة، بعضها متداخل مثل الأزرق والأصفر الذي يعطي الأخضر.

1. مثقف "الصمت"، هو ذلك الصنف الذي يلتزم الحياد والصمت، ويعتبر أن هذه الموجات البشرية لا تعنيه؛ لا فرق بينها وبين الجموع الغفيرة الخارجة من الملعب بعد مقابلة رياضية. فهو لا يكترث بالشعارات أو الهتافات. نفس الجموع، نفس الموجات، أ = أ.
2. مثقف "الانخراط"، هو ذلك الصنف الذي يعتبر نفسه معني بما يجري، لأنه جزء من الكل، فرد من المجتمع، ومن ثم عنصر من الشعب. لا يمكنه أن يتغاضى عن هذه الحركة الحثيثة التي تغمر الشوارع والساحات. يخرج ويسير، إن كان صامتاً، أو يهتف ويصيح، إن كان ناطقاً. 
3. مثقف "الانتقاد"، هو ذلك الصنف الذي يخفق قلبه مع الشغف الجمعي، لكن يدرس عقله ما يعتمل أمام عينيه من أفعال عفوية هي مواد خام لأبنية نظرية. فلا هو بعيد عن صخب الهتافات وحمَّى المسيرات، ولا هو قريب ليضمن مسافة موضوعية معتبرة. 
4. مثقف "الاستخفاف"، هو ذلك الصنف الذي يمقت الشعب ويصمه بنعوت حقيرة: غوغاء، دهماء، سوقة، قطيع، وقرأنا أيضاً "أحمرة"، مع أن وظائف محترمة سايرت هذه "الأحمرة" على شاكلة القضاة والمحامي والأطباء والمهندسين والأساتذة والمعلمين والعُمال والطلبة. يختزل الحراك في كرنفال وحفلات وسيلفي لتخليد الحدث بالصورة والفيديو.
5. مثقف "البعبع"، هو ذلك الصنف الذي توقفت ساعته في التسعينات من القرن الماضي، ولا يتوقف عن تذكير الناس بالتطرف والإرهاب؛ وبحكم علمانيته أو إلحاده (لا ندري) له ذلك الكبرياء الإلهي في عدم اختلاط العوالم: هو بالتعريف نخبوي، ولا يمكنه أن ينزل إلى مصاف الشعبي، مرادف النذل والحقير والخرافي والهلامي؛ ولأن الشعبي كان يرادف في أدب القرن التاسع عشر "الطفولي". الشعب طفل يقتضي أباً لا ينبغي أن يقتله، بل أن يرزح تحته، ولا يخرج عن طاعته. 
6. مثقف "التهكم"، هو ذلك الصنف الذي يُحسن الاستهزاء من الشعب (sarcasme)؛ والساركازم هو نوع من الضحك القاتل. يُحكى أن شيخاً يهودياً كان يبحث عن عمل في بولونيا تحت الحكم النازي، أخطأ في العنوان ودخل في بناية يقطنها الجنود النازيون. لما سألوه عن سبب دخوله في البناية، قال بأنه يبحث عن عمل. فقال جندي نازي متهكماً: "نعم يا شيخ، سنعطيك عملاً في المخبزة، تفضَّل". دخل الشيخ في غرفة فأجهز عليه الجندي برصاصة في الرأس. "المخبزة" هي رمز "المحرقة". يمكن للتهكم أن يصل إلى حد الإجرام؛ والتهكم إجرام بالقوة، لأنه حط شنيع من إنسانية الإنسان، قبل نفي الإنسان ذاته. 
7. مثقف "الأدلجة"، هو ذلك الصنف الذي يتمترس وراء أيديولوجيا، يمينية أو يسارية، محافظة أو ثورية، لائكية أو دينية، ويقرأ الوقائع بنظاراته الأيديولوجية. إذا كانت النظارات صفراء، سيرى كل شيء أصفراً؛ إذا كانت حمراء، سيرى كل شيء أحمراً. لون الواقع على قدّ لون نظاراته.

المصدر: صفحة محمد شوقي الزين على الفايسبوك

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).