التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نصرة الأقصى فايسبوكيا.. وثقافيا

باديس لونيس

لا خلاف حول دور شبكات التواصل الاجتماعي في حشد الرأي العام نحو القضايا الهامة والمصيرية بالنسبة للشعوب. والأدلة على ذلك لا تُحصى ويعلمها القاصي والداني.
ولا شك أن الفايسبوك وباقي مواقع التواصل الاجتماعي يقوم بدور مهم في تجسيد وتفعيل المقاومة كفعل رمزي اتجاه "السائد" الذي طالما حاولت وتحاول تكريسه "السلطة التقليدية - بمختلف آلياتها وتجلياتها- المسيطرة على صناعة الصورة وبناء المعنى".
ومع إغلاق المسجد الأقصى المبارك هذه الأيام من طرف الاحتلال الإسرائيلي، صار الفايسبوك والتويتر وغيرهما مرة أخرى ملاذا حيويا ويكاد يكون وحيدا للمرابطين والمرابطات الفلسطينيين والفلسطينيات لنقل حقيقة ما يجري على أرض الواقع، ورسم الصورة كما هي وإرسال دعوات الاستنجاد والنفير نحو الأقصى.

تكاثرت الوسوم والهاشتاغات الحاشدة وانتشرت كالنار على الهشيم بين فلسطيني الداخل والخارج وبين العرب والمسلمين في كل مكان، وراح الجميع (بشكل واع وغير واع) يعبر عن مشاعر المساندة والتأييد من جهة، والانتقاد والغضب تجاه الأنظمة الصامتة من جهة ثانية. تبادل مستخدمو مواقع التواصل، وسوما من قبيل (#البوابات_لأ، #البوابات_الإلكترونية_لن_تمر، #الأقصى، ..) مع نشرهم عشرات الصور والفيديوهات التي تشدد على ضرورة استمرار الرفض لهذه الإجراءات وضرورة نصرة المسجد الأقصى المبارك، مؤكدين دعمهم المعتصمين منذ عدة أيام عند باب الأسباط.

كل هذا إيجابي؛ لأنه فعل مقاوم يُبقي مكانة فلسطين والأقصى والقضية ككل حية في الأذهان وفي القلوب. ولكن إلى متى يُختزل فعل المقاومة هذا، في الحشد (المؤقت) والذي لا يُترجم إلى فعل حقيقي إلا من طرف فلسطيني الداخل دون سواهم. ففي الأخير هم من عليهم مواجهة بندقية المحتل والصبر على تبعاتها، وهم دون سواهم من عليهم المرابطة والدفاع عن أحد أعظم مقدسات المسلمين والثبات أمام استراتيجيات لا تهدأ من طرف عدو لا ينام لتهويد المنطقة.

ألم يحن الوقت للتفكير في استراتيجيات أعمق وأجدى؟ السؤال طبعا غير موجه للأنظمة (المقيدة بطرق أو بأخرى والعاجزة عن فعل شيء أكثر من التنديد في أحسن الأحوال)، ولكن السؤال موجه إلى الطبقة المثقفة والمنظمات التي يفترض في أنها تمثل المثقفين والمفكرين بمختلف أطيافهم وتياراتهم. هذه الطبقة التي تدعي الانحياز إلى حقوق الإنسان، والحق الثقافي للإنسان.

أليست القضية الفلسطينية قضية ثقافية أيضا؟ أليس الأقصى رمز ثقافي بالأساس؟ إن ما يحدث في الأقصى هذه الأيام يختزل تماما (فكرة الصراع الثقافي) في أبسط تجلياته؛ ومحاولات إغلاق الأقصى والتضييق على المصلين في أداء عباداتهم ما هي إلا صورة رمزية مبسطة عن (إلغاء الآخر وهويته الثقافية).

أعتقد أن الأوان قد حان للحشد الثقافي والفكري لبناء استراتيجيات بعيدة المدى عميقة البُنى، لمواجهة سياسات الكيان الصهيوني وكشف زيف دعواهم والعمل على تكريس الحق الفلسطيني في المكان كقيمة تحمل شحنات تاريخية ودينية وثقافية مقدسة.

أعتقد أن على المثقفين والمنظمات الثقافية اتخاذ –ليس مواقف تنديد مؤقتة- ولكن قرارات لجعل قضية فلسطين قضية ثقافية انسانية على سلم الأولويات، مع ما يعنيه ذلك من رسم استراتيجيات عملية وواقعية لتجسيد هذا الفعل المقاوم على أرض الواقع..

 وليس فقط، بقاؤه مجرد شعارات وهاشتاغات تتسابق على الانتشار بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).