التخطي إلى المحتوى الرئيسي

خَمْس حِيَل لتحقيق الديمقراطية الرقمية

NATURE النسخة العربية 
إنّ انتخاب رئيس أمريكي يفتقر إلى الخبرة السياسية، وتصويت الشعب البريطاني لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، والرفض المبدئي لاتفاقية السلام في الاستفتاء الشعبي الذي أجرته كولومبيا لإنهاء نزاع مسلح، تُعَدّ جميعها إشارات على عدم الرضا عن الوضع السياسي الراهن. ومع ذلك، فبخلاف صناديق الاقتراع، لا يمتلك المواطنون سوى القليل من الفرص، للتأثير على قرارات الحكومات.
يقول جيف مولجان، رئيس جمعية "نيستا" Nesta، وهي منظمة خيرية بريطانية تهدف إلى رعاية الابتكار والديمقراطية الرقمية1: "هذا هو الوقت الأنسب لتطوير كافة جوانب عمل الحكومة تقريبًا"، كما أنه الوقت المناسب لإيجاد الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك معًا كَيَدٍ واحدة.
في العام الماضي، قام طلابي في مختبر الحوكمة "Govern­ance Lab" بجامعة نيويورك بتصميم إجراء يساعد أربع حكومات - حكومة مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل، والحكومات الوطنية لدول الأرجنتين، وكولومبيا، وبنما - في الحصول على مشورة الخبراء بشأن تفشِّي فيروس "زيكا" عالميًّا. قام مشروعنا - الذي أُطلق عليه اسم "التعهيد الجماهيري الأذكى" أو Smarter Crowdsourcing - بتحليل التفشي الوبائي للفيروس وتلخيصه في مشكلات قابلة للحل، مثل تراكم المياه الراكدة، الذي يؤدي إلى تكاثر عدد أكبر من حشرات الناموس المصابة بالعدوى. قمنا بعد ذلك بتنظيم ستة حوارات على شبكة الإنترنت مع 100 خبير من ست قارات؛ لجمع المعلومات، والخبرات، والنصائح. وبعد ثلاثة أشهر من تلك العملية، شرعت تلك الحكومات في تنفيذ ما تعلمته. وعلى سبيل المثال، أطلقت حكومتا ريو دي جانيرو، والأرجنتين مبادرات "استماع" على شبكات التواصل الاجتماعي؛ لمعرفة آراء عامة الناس بشأن المرض.
يمكن لمنهجَي الاستماع، والتعهيد الجماهيري أن يجعلا الحكومات أكثر خفة وأسرع حركة في التعامل مع المشكلات. وسواء أكانت المشكلة متعلقة بالصحة العامة، أم الاحترار العالمي، أم إصلاح السجون، فإن الحكومات تسعى جاهدة للتعرف على أساليب جديدة، وتنفيذها على وجه السرعة. فعندما أراد رائد صناعة السيارات هنري فورد أن يبتكر، أغلق مصانعه، وأعاد تجهيزها؛ لكن الحكومات لا تمتلك رفاهية فعل ذلك.

البحوث التطبيقية
تسهم التكنولوجيا فعليًّا في تغيير الطريقة التي تستخدمها المؤسسات العامة في صناعة القرار. فالحكومات - على جميع المستويات - تَستخدم حاليًّا "البيانات الضخمة"؛ من أجل التحديد الدقيق لوقوع الجرائم، أو التنبؤ بها، وكذلك الأزمات القلبية، والأمراض المنقولة عن طريق الطعام. كما تساعد منصات الخبراء الشبكية - وهي بمثابة أدلة مرجعية على شبكة الإنترنت، تتضمن قائمة بالأشخاص والمهارات التي يتمتعون بها، مثل موقع NovaGob.org في إسبانيا - في التوفيق بين الموظفين المدنيين الذين يمتلكون الخبرة المناسبة، والأشخاص الذين يحتاجون إلى تلك الخبرة والمعرفة.
وإذا أردنا تجاوز النماذج الديمقراطية التقليدية من قبيل التمثيل، أو الاستفتاء، بل والأهم تحسين عملية التعلم في مجال الخدمة المدنية، فعلينا أن نبني على تلك المصادر الواعدة ونتطور. ويتطلب ذلك معرفة الوسائل الفعالة، ومتى تكون ناجحة، لكنْ هناك ندرة في البحوث التي تتناول تأثير التكنولوجيا على المؤسسات العامة. وأحد أسباب ذلك هو نقص مناهج البحث المناسبة، حيث يفضِّل كثير من الأكاديميين المختبرات الافتراضية مع محاكاة ظروف الواقع، والتي هي أبعد ما تكون عن الواقعية. لقد استُخدمت التجارب الميدانية لوقت طويل لتقييم الاختيار ما بين سياستين، ولكنْ هناك اهتمام أقل بكثير بالكيفية التي يمكن أن تعمل بها المؤسسات العامة بشكل مختلف باستخدام التقنيات الجديدة.
إن المثالية ليست مجابِهَةً للجودة. فحتى عندما لا يكون إنشاء مجموعة تحكُّم، وإجراء تدخلات موازية في المؤسسة نفسها أمرًا عمليًّا، يمكن أن تثمر المقارنات عن أفكار ورؤى. فعلى سبيل المثال، يمكن للمرء أن يقارن تأثير استخدام تعليقات المواطنين على مشروعات القوانين التشريعية في البرلمان البرازيلي بالممارسات نفسها في البرلمان الفنلندي.
بالطبع، هناك قادة لا يهتمون بالتطوير بقدر اهتمامهم بتوسيع نطاق سلطاتهم، لكن كثيرًا من رجال السياسة والموظفين العموميين يحرصون على استخدام الأدلة المبنية على البحث العلمي؛ لتوجيه كيفية استخدامهم للتكنولوجيا في الحكم من أجل المصلحة العامة. بدأت مؤسسة "ماك آرثر" - في شيكاغو بولاية إلينوي - في تمويل شبكة بحثية، تضم 12 من الأكاديميين والموظفين العموميين؛ لدراسة إمكانية استخدام التكنولوجيا الحديثة في الحُكْم بقدر أكبر من الشفافية، وبالمشاركة مع المواطنين (انظر: www.opening-governance.org). ويُلاحَظ أن هناك حاجة إلى مزيد من التعاون المشترك بين الجامعات، وعبر التخصصات المختلفة. ويمكن للمنصات البحثية الجديدة - مثل منصة التبادل البحثي بشأن الحوكمة المفتوحة (Open Governance Research Exchange)، التي طوَّرها مختبر الحوكمة، ومنظمة "ماي سوسايتي" mySociety غير الربحية، التي يقع مقرها في المملكة المتحدة، وكذلك البنك الدولي - أن تتيح مسارات لمشاركة النتائج البحثية والتعاون في وضع المنهجيات.

استطلعت حكومة كولومبيا آراء مواطنيها في اتفاقية السلام، عن طريق بطاقات اقتراع ورقية.
استطلعت حكومة كولومبيا آراء مواطنيها في اتفاقية السلام، عن طريق بطاقات اقتراع ورقية.
Mario Tama/Getty
 

خمس أولويات
نقدم فيما يلي استعراضًا للمجالات الرئيسة التي تحتاج إلى إجراء الأبحاث.

صناعة القرار المعتمِدة على البيانات: يمكن للمعلومات القابلة للحوسبة تحسين عملية الحوكمة. لذا، من الضروري القيام بمزيد من الأبحاث المنهجية؛ لتوجيه الاستثمارات في المنصات الجديدة الغنية بالبيانات، وفي السياسات.
ومن خلال تحليل البيانات، يستطيع صانعو السياسات فهْم مستوى الأداء السابق للسياسات والخدمات، بمعنى فهْم مدى كفاءتها وتأثيرها المتباين على المجتمعات السكانية المختلفة. وعلى سبيل المثال، الدراسات التي أُجريت في المملكة المتحدة على فئة فريدة، قوامها 70 ألف شخص من مواليد فترة الحرب العالمية الثانية، أنتجت أكثر من 6000 ورقة بحثية أكاديمية، وأدَّت إلى إصلاح كامل للدعم الطبي المُقدم في أثناء الحمل والولادة2.
كذلك تستطيع البيانات الأكثر وضوحًا وثراء المساعدةَ في التنبؤ بنتائج السياسات. فعلى سبيل المثال، ابتكرت حكومة مدينة شيكاغو خوارزمية للتنبؤ بانتهاكات سلامة الأغذية. وقد زاد ذلك من فعالية عمليات التفتيش التي قامت بها بنسبة 25%.
أمّا استخدام أساليب التحليل المتقدمة، فيمثل الاستثناء - وليس القاعدة - في القطاع العام. وحتى عند تبنِّي منهجيات خوارزمية، لقياس احتمالات العودة إلى الإجرام على سبيل المثال، نادرًا ما يجري تقييم النتائج. وقليل من الأشخاص الذين يعملون لصالح الحكومة يمتلكون مهارات علوم البيانات المطلوبة لإجراء مثل هذه البحوث.

البيانات الحكومية المفتوحة: تقوم دول كثيرة بجمع ونشر البيانات الحكومية في صور يمكن إعادة استخدامها بدون مقابل. وهناك حاجة إلى دراسة تأثير تلك البيانات على حلّ المشكلات العامة. ففي الولايات المتحدة، جرى تحويل البيانات التي تُجمع من الجامعات وسلطات النقل إلى تطبيقات؛ لمساعدة العامة على اتخاذ قرارات أكثر استنارة بشأن تعليمهم الجامعي، ورحلاتهم اليومية إلى العمل. كما يمكن للبيانات المفتوحة تعزيز الحقوق المدنية، فعلى سبيل المثال، استخدم المحامون المهتمون بالحقوق المدنية في زانسفيل بولاية أوهايو البيانات التي نشرتها شركات المرافق، للكشف عن نمط عمره 50 سنة من التفرقة العنصرية في توفير خدمات المياه3. إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث بشأن تأثير البيانات المفتوحة على الحكم، وحل المشكلات.
فمثلًا، تفترض حكومات كثيرة أنه عن طريق مساعدة المستهلكين على اتخاذ قرارات أكثر فعالية، فإن جمع المعلومات الخاصة بكفاءة استخدام الطاقة، أو التعريفة الجمركية للهواتف المحمولة، والإفصاح عن تلك المعلومات يسمح للحكومات بتنظيم الصناعة بقليل من الأعباء الإدارية. ولكن ما هي الظروف التي تجعل عمليات الإفصاح أكثر فعالية من قوانين القيادة والسيطرة؟ هذا سؤال بحثي يمكن اختباره والنظر فيه.
هناك حاجة أيضًا إلى البحث في المصلحة العامة المحتمَلة، المترتبة على منْح الشركات العملاء إمكانية الوصول إلى البيانات التي تنتجها. يقوم مختبر "ذا سمول داتا" The Small Data Lab بمعهد كورنيل للتكنولوجيا في مدينة نيويورك بدراسة ما يحدث عندما تتيح المتاجر الكبيرة على الإنترنت بيانات الشراء للأفراد وللباحثين الذين ينوبون عنهم. يختبر الفريق حاليًّا الأدوات التي تَستخدم تلك المعلومات من أجل "دفع" الناس إلى اتباع عادات غذائية أكثر صحية، مع وضع التدريب الشخصي المناسب لكل فرد بناءً على بياناته.

استخدام البيانات بمسؤولية: لكي يتحول المواطنون نحو عملية صناعة قرار مبنية على الأدلة، يجب عليهم دراسة كيفية الاستفادة من البيانات الإدارية التي تجمعها الحكومة عنهم. فقد قامت منظمة "نيو فيلانثروبي كابيتال" New Philanthropy Capital غير الربحية - التي يقع مقرها في لندن - باختبار نموذج لـ"مختبر بيانات" آمن، حيث يقبل المختبر الطلبات الخارجية لاستخدام البيانات الإدارية الخاصة بوزارة العدل في المملكة المتحدة بشأن المجرمين الذين يعودون إلى الجريمة؛ وذلك لقياس فعالية برامج الخدمة الاجتماعية. وتسعى المنظمة بعد ذلك لاختبار هذا النهج مع الخدمة الصحية الوطنية في بريطانيا؛ لاستخدام البيانات الصحية، وبيانات الرعاية الاجتماعية في تقييم فعالية البرامج، مع حماية الخصوصية في الوقت ذاته.
وهناك حاجة عاجلة أيضًا إلى إجراء أبحاث تتناول تأثير الخوارزميات على الحياة العامة - أبحاث من النوعية التي يجريها حاليًّا الباحث لي ريني بمركز "بيو" للأبحاث في واشنطن العاصمة، الذي يدرس الوسائل التي يمكن من خلالها استخدام الخوارزميات في حل المشكلات الاجتماعية، وكذلك إمكانية إساءة استخدامها. تتجاوز الأسئلة بشأن تأثير صناعة القرارات الموجَّهة بالبيانات على الحريات المدنية نطاقَ المشكلات المعتادة المتعلقة بالمراقبة والخصوصية؛ فهناك تبعات أخلاقية لهؤلاء "المجهولين الرقميين"؛ وهم الأشخاص الذين لا تُجمَع أي بيانات عنهم. وقد وجد جاستن لونجو - وهو باحث في شؤون الحكومة المفتوحة بجامعة ريجينا في كندا - أن الأشخاص غير الممثلين في عالم البيانات الضخمة ربما يكونون عرضة لعمليات تَدَخُّل مُضلَّلة، وسياسات متحيزة.

مشاركة المواطنين: إنّ احتمالية أن الحصول على مدخلات عامة متنوعة من خلال الإنترنت يحسِّن من صحة وكفاءة عمليات الحكم هي بمثابة فرضية أخرى تحتاج إلى الاختبار. لقد استُخدم أسلوب التعهيد الجماهيري والابتكار المفتوح في القطاع العام، لكن تلك الممارسات لم تأخذ الطابع المؤسسي على نحو جيد. وهناك أيضًا ندرة في الأبحاث الخاصة بأساليب مشاركة المؤسسات العامة مع الموظفين المدنيين، ومع الجمهور على شبكة الإنترنت، ونتج عن ذلك قصور في إدراك كيفية تصميم مؤسسات وعمليات مشاركة ناجحة على الشبكة.
إذًا، ما أفضل الطرق لتخطيط فرص المشاركة في كل مرحلة من مراحل عملية صنع القرار على المستوى العام، بداية من حل المشكلات، وانتهاء بتقييم السياسات؟ يدخل مركز المعلومات السياسية في جامعة ولاية أريزونا حاليًّا في شراكة مع مدينة فينيكس؛ لاختبار وتطوير وسائل لإدراج خبرات المواطنين، وتجاربهم، وأولوياتهم في التخطيط العمراني. تتراوح المناهج المستخدَمة بين نماذج حاسوبية معقدة، وقصاصات من الورق الملون، صُمِّمت بمقاييس مقترحات الميزانية.
تحمل البيانات البيئية لعملية التعهيد الجماهيري في طياتها آمال عريضة، تمامًا كما يفعل المواطنون العلماء في شتى أنحاء العالم في المجتمعات الموجودة على شبكة الإنترنت لكل من "ساي ستارتر" SciStarter، و"كراود كرافتينج" CrowdCrafting، و"سيفكاست" Safecast. وثمة عدد لا يُحصى من التجارب الطبيعية لمشاركة المواطنين في صنع القوانين، في كل من البرازيل، وكندا، وفرنسا، ولكن الأبحاث ما زالت متأخرة، وليس ثمة دروس لنتعلمها.

حوافز: لكي يصمم الباحثون عمليات حكم مشترَك تصلح للعصر الرقمي، يجب عليهم البحث في السؤال القديم حول الدوافع البشرية. وثمة مجموعة من الدراسات المنشورة المعدة بشكل جيد، حول التعهيد الجماهيري  في مجالي التجارة والعلوم، ولكن ليس هناك سوى فهْم ضئيل للغاية لما يحفِّز أنواعًا مختلفة من الأفراد للمشارَكة في المشاورات الخاصة بالسياسات على شبكة الإنترنت، وما يحفز الحكومات على إجرائها. تشير الأبحاث4 التي قادها كريم لاخاني – في كلية الأعمال بجامعة هارفارد في بوسطن بولاية ماساتشوستس - إلى أن الناس يستجيبون للحوافز الداخلية (مثل الحصول على عضوية في جماعة معينة)، أكثر من استجابتهم للدوافع الخارجية (مثل عرض الحصول على جهاز "آي باد"). وقد تحتاج الشركات إلى وسائل تشجيع أخرى لمشارَكة البيانات التي تساعد في حل المشكلات العامة. وفي جامعة نيويورك، يدرس الباحثان ستيفان فيرولست، وأندرو يانج وسائل مختلفة لحثّ الشركات على القيام بذلك. وهما يصممان هذه الترتيبات الخاصة بمشاركة البيانات، ويدرسانها، ويطلقان عليها اسم المستودعات التعاونية للبيانات، وذلك بالمشارَكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة - اليونيسف (UNICEF).
إننا نحتاج أيضًا إلى معرفة المزيد حول المشاركين. ومن أجل "كشف هوية الجماهير"، قامت تانجا إيتامورتو - بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا - وزملاؤها بدراسة5 مبادرة لإصلاح القانون في فنلندا، استُخدم فيها أسلوب التعهيد الجماهيري، ووجد الباحثون أن الجمع ضم - في الغالب - ذكورًا متعلمين ومتخصصين.

نحو المجهول
لتسريع وتيرة البحث في كيفية تحسُّن المؤسسات في الواقع وتطوُّرها من خلال التكنولوجيا، أقدِّم النصائح والإرشادات التالية، التي تصلح للمدى القصير.
أولًا: لا بد من تنظيم مزيد من المؤتمرات في مزيد من التخصصات، تتناول كيفية استخدام البحوث - بما في ذلك تصميم التجارب - في دراسة الابتكارات في عملية الحكم. اتخذت أنيتا ماكجاهان - التي تدرس الإدارة الاستراتيجية بجامعة تورونتو في كندا - من الحوكمة المفتوحة موضوعًا للمؤتمر السنوي لباحثي كلية الإدارة في عام 2015، عندما كانت تشغل منصب رئيس أكاديمية الإدارة، ومقرها الولايات المتحدة، وهي جمعية لباحثي علم الإدارة. كما يجمع هنري فاريل - أخصائي العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن في واشنطن العاصمة - مجموعة من علماء الحاسوب وعلماء السياسة، بهدف الوصول إلى فهْم مشترك لحل المشكلات بطريقة جماعية.
ثانيًا: إضافة إلى الاستثمارات الخيرية، لا بد من تخصيص قدر إضافي من ميزانية الوكالات عند كل مستوى من مستويات الحكومة للأبحاث الخاصة بعمليات تشغيل تلك الوكالات. ورغم أن هناك وكالات علمية مكرسة لذلك الغرض، تقوم بتمويل البحوث الخارجية التي تُجرى على مسألة الابتكار، تكاد لا تُوجَّه أي أموال لتناول الابتكار الداخلي.
"ارتفع سقف توقعات العامة لما يجب على الحكومات تقديمه."
ثالثًا: ينبغي على المسؤولين العموميين معرفة كيفية وتوقيت تصميم التجارب التي يمكن أن تثمر عن رؤى جديدة، مع حماية أموال دافعي الضرائب. كما يجب على الوكالات المعنية بالسياسات - مثل مكتب مجلس الوزراء بالمملكة المتحدة، ومكتب الإدارة والميزانية بالولايات المتحدة (OMB) - تقديم إرشادات ودورات تدريبية حول كيفية تصميم التجارب البحثية المسؤولة، بما في ذلك التجارب العشوائية المُحكمة.
رابعًا: تحتاج الهيئات الحكومية إلى وسائل سلسة للتعاون مع الجهات الأكاديمية، مثل القدرة على استقطاب وإنشاء زمالات قصيرة الأجل. اعتاد فريق العلوم السلوكية والاجتماعية - وهي مجموعة تشمل عدة وكالات، وكانت جزءًا من إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما - على التعاون بانتظام مع خبراء أكاديميين من الخارج، بل وجَلَب الفريق بعضًا منهم؛ وذلك لاستيفاء التقييمات الدقيقة لأكثر من 30 تجربة للتدخلات الجديدة في السياسات.
خامسًا: عندما لا يكون ممكنًا جلب الأكاديميين إلى الحكومة، فعلى الوكالات أن تزيل مواطن الشك. فالولايات المتحدة تمتلك سلطة قانونية بموجب قانون "أمريكا تُنَافِس"؛ لمنح الجوائز لأناس من العامة، مقابل حل المشكلات الصعبة. كما قامت الوكالات الفيدرالية الأمريكية بإجراء مسابقات، تُقَدَّم فيها جوائز أكثر من 750 مرة على موقع Challenge.gov، حيث دعت فيها عامة الناس إلى تقديم حلول للحدّ من الإصابات الناتجة عن المَركَبات الهاربة عند نقاط التفتيش، أو صياغة إعلان جذاب للخدمة العامة، يهدف إلى تعزيز غسل الأيدي، ومنع انتشار الإنفلونزا.
وأخيرًا: ينبغي توضيح القواعد الخاصة بإجراء الأبحاث بطريقة أخلاقية، ولكن لا تخلو من الكفاءة. فعلى سبيل المثال، تَستثنِي اللوائح التنظيمية الأمريكية بشأن الأبحاث على البشر أيّ بحث يُجرَى على كيفية توصيل الخدمات الحكومية والإعانات من المراجعة الأخلاقية، ولكنها لا تتطرق إلى مسألة دراسة ابتكارات الحوكمة. وينبغي على الولايات المتحدة تبسيط التشريع الخاص بالحدّ من المعاملات الورقية، الذي يتطلب أن تخضع الوكالات التي ترغب في توجيه أسئلة تخص عامة الشعب إلى إجراءات مطوَّلة للحصول على الموافقة من قِبَل مكتب الإدارة والميزانية.
ولمواجهة تزايد التحديات الصعبة، والتغير الاجتماعي السريع، والابتكار التكنولوجي، يجب على الحكومات إيجاد وسائل جديدة لتحقيق المزيد بموارد أقل. فرغم تقلُّص العائدات الضريبية، وتَرَدِّي الأحوال المالية، ارتفع سقف توقعات العامة لما يجب على الحكومات تقديمه. وفي جميع المجالات، ينبغي على الحكومات استحداث وسائل مبتكرة فيما يخص الاستجابة للتحديات.
هذا.. ولا يكفي إجراء التجارب على سياسات جديدة في مختبر الديمقراطية، إذا كنا نستخدم الأدوات نفسها. فلا بد من تغيير الإجراءات التي نتبعها في صناعة السياسات، وتقديم الخدمات من أجل المصلحة العامة. ويظل البحث التجريبي المرن في أعماق المجهول هو الطريق لمعرفة كيفية القيام بذلك.

References

  1. Simon, J., Bass, T., Boelman, V. & Mulgan, G.Digital Democracy: The Tools Transforming Political Engagement (Nesta, 2017); available athttp://go.nature.com/2o3hzee
  2. (Pearson, H. The Life Project (Allen Lane, 2016
  3. Rogawski, C., Verhulst, S. & Young, A. Open data’s impact: Ohio, USA: Kennedy v. City of ZanesvilleGovLab, Omidyar Network, (2016).
  4. Boudreau, K. J., Lacetera, N & Lakhani, K. R.Manag. Sci. http://dx.doi.org/10.1287/ mnsc.1110.1322 (2011).
  5. Aitamurto, T., Landemore & Saldivar Galli, J.Inform. Commun. Soc. http://dx.doi.org/10.1080 /1369118X.2016.1228993 (2016).
بيث سايمون نوفيك أستاذة في الهندسة، ومديرة مختبر الحوكمة بجامعة نيويورك، مدينة نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية. وهي أيضًا مؤلفة كتاب "مواطنون أذكياء، ودولة أذكى: تقنيات الخبراء ومستقبل الحكم".
البريد الإلكتروني: noveck@thegovlab.org

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).