كلمة شكر وعرفان من د. عبد الرحمن عزي ود. السعيد بومعيزة في نهاية أشغال المؤتمر الرابع للحتمية القيمية عن "الإعلام الجديد والمنظمة القيمية" 7-8 ديسمبر 2016 بجامعة مستغانم

والشكر خاص للأستاذ مصطفى بلحاكم مدير الجامعة الذي أصدر قرار بإنشاء كرسي باسمنا لتعزيز هذه التوجه الجديد من البحث الإعلامي القيمي المرتبط بمدرسة مستغانم للإعلام على غرار ما هو قائم في جامعات غربية عريقة خاصة في مجال التنظير الإعلامي مثل مدرسة برمنغهام ومدرسة شيغاغو ومدرسة تورنتو وكلها تميزت بالتركيز على لون واتجاه من البحث وفق الخصوصية الجغرافية والحضارية للمجتمع المعني.
والشكر موصول إلى د. أحمد قيدوم عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية الذي حرص على أن تكون إقامتنا بدون متاعب وحضر عددا من جلسات المؤتمر وكانت كلمته الختامية معبرة ودالة في المبنى والمعنى. والتقدير والاحترام إلى د. العربي بوعمامة، رئيس قسم الإعلام، الذي كان وراء تأسيس هذه المدرسة الناشئة في جو من الهدوء والمرونة والتواضع وإليه وأعضاء التدريس والطلبة بالقسم واللجنة المنظمة يعود الفضل فيما تم إنجازه من انشغال بالموضوع وبحث وإبداع في البحث الإعلامي القيمي بأبعاده المختلفة. ورغم أنني لم أكن أعرف بجامعة مستغانم سوى اثنين من أعضاء هيئة التدريس في المؤتمر الأول قبل أربع سنوات فقد أصبحت أعرف إسهامات عدد كبير من أعضاء هيئة التدريس وطلبة الدراسات العليا وباحثين من جامعات عدة وفي مجالات متنوعة بفضل هذه التجربة التي تجمع الخلف والسلف في جو يسعى إلى طرح أسئلة حاسمة تحتاج إلى مشاركة أكثر من عقل وتجربة لتناولها في أبعادها القيمية والاجتماعية والتاريخية والحضارية. والشكر أيضا للمشاركين من أعضاء هيئة التدريس والباحثين من جامعات الوطن وخارجه (مصر والأردن) حيث اطلعت على عناوين أبحاثهم ولم أتمكن من الاطلاع على النصوص سوي تلك التي قدمت في الجلسة الأولى من اليوم الثاني ي وكانت ثرية ومبدعة وأتمنى الاطلاع على جميعها والتعليق عليها عندما تسمح الفرصة بذلك. والتقدير أيضا لجمهور الطلبة الذين حضورا جلسات المؤتمر بحيوية وأثروها بإصغائهم وأسئلتهم.
وقد طرح المؤتمر إشكالية "الحاضر" (الإعلام الجديد (أو الوسائط الجديد) والمنظومة القيمية) أي ما نشهده من تحول تاريخي من الشفوي في الحالة الانتقالية أو المكتوب في الحالة المعاصرة مع ما يتخلل كليهما من مجال مرئي مسموع إلى الرقمي. وهذا التحول يحمل في طياته أثارا في الاتجاهين بناء على نوعية السرد الجديد في هذه الوسائط ومرجعية المتلقي قيميا وحضاريا. أما السرد فإنه يمكن القول أن هذه الوسائط "لا أخلاقية" بدل من القول "غير أخلاقية،" والقصد من ذلك أن هذه الوسائط لا تعنى بالشأن الأخلاقي ولم يتم تأسيسها (أو تصميمها) على هذا الاعتبار وإنما هي مثلما يشير إليه المصطلح "وسائط" أي تسهيل "التفاعل" صوريا أو "رمزيا ." غير أنها في الواقع تتضمن في بنيتها السرد الدعائي والتجاري والغرائزي رغم أنها قد تحمل بعض السرد الأخلاقي المتقطع. و لا يعنى ذلك أن هذه التكنولوجيا (تكنولوجيا) محايدة وذلك ما بينه فلاسفة التكنولوجيا من "مارتن هايديغر" إلى "هارولود إنيس" بقدر ما تكون مثلما أشرنا في دراسة عن ذلك أنها نتاج حالة لبرالية وما يحمل ذلك من تبعات. إن التكنولوجيا وتكنولوجيا الاتصال لها حياة خاصة وتتطور بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى، إذ وقع الفصل بين التكنولوجيا والثقافة منذ أمد بعيد على النحو الذي أورده "إنيس وتحولت الثقافة في نظره ونظرة مدرسته إلى ظاهرة تابعة تمثلت في تحويل الثقافة إلى ظاهرة تقنية تكمن معايير الحكم عليها في الفعالية والمردودية المادية أو إذا استعملنا تعبير مالك بن نبي "سيطرة الأشياء على الأفكار." والسؤال الحيوي في مقاربة هذا الموضوع ما إذا كانت هذه الوسائط تضيف أو تسهم في تأسيس المكون الأخلاقي للفرد أم تعمل على تهميشه أو محوه وإلغائه من وعيه وسلوكه وعلاقته مع الآخر وبيئته عامة. ويتطلب ذلك "تقكيك" مضامين تلك الوسائط قيميا وذلك ما تناولته العديد من الأبحاث التي قدمت في المؤتمر. إذا كانت الوسائط الجديد تتطور من داخلها أي من خلالها نظامها الداخلي في التسهيل وإيجاد مساحات واسعة للرموز والأصوات والضجيج الرمزي بغض النظر عن المكون الأخلاقي، فإن سؤال محوريا آخر يحلينا إلى المتلقي ويتعلق بطبيعة الهوية (أي نظرة الفرد "الرقمي" إلى نفسه وإلى الآخرين من حوله) بفعل هذا "الالتصاق" بالوسائط الجديدة. وبمعنى آخر هل يحمل الفرد قيمة جديدة (أو صورة ذهنية أخلاقية بتعبير كريشتنز كليفورد) على نفسه وعلى الآخرين من جراء هذا الاحتكاك المتواصل مع الوسائط أم أن نظرته إلى نفسه وإلى الآخرين متأثرة بما يتعرض له في تلك الوسائل سلبا أو إيجابا. ترى نظرية الحتمية القيمة أن المعيار في الإجابة على هذه الأسئلة ما إذا كانت هذه الوسائل تضفي هوية "القيمة الإنسانية" على الفرد بحيث يصبح ذا قيمة بما تحمل تلك الهوية من كرامة واحترام ويضفي تبعا لذلك تلك القيمة على الآخرين إن في المجال الرقمي أو في الواقع المعايش تماشيا مع الآية الكريمة "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا." فقيمة الانسان أسبق وجوديا من الوسيلة (أو الوسائط) والانسان في أصله كائن أخلاقي بالدرجة الأولى. إن الفرد وهو يتعامل مع الوسائط الجديدة فإنه يفعل ذلك "وحيدا" بعيدا عن أي إشراف مباشر عدا ما سميناه بالواجب الأخلاقي الذي يمليه عليه ضميره عندما يكون هذه الضمير حيا نابعا من واقعه وارتباطا بمنظومته القيمية. إن الوسائط المتعددة ليست معدة للسرد الأخلاقي إلا المتقطع منه، غير أنها ومن خلال سيادة أنواع معينة من السرد و"احتكارها لزمن المتلقي" ونحوها (من النحو) الجديد تتدخل وتقتحم النظام الرمزي للتعبير الشفوي وتقلص بالضرورة الحياة الاجتماعية المعايشة من خلال وبتعبير كريشتنز كليفورد "وهم المصاحبة دون العلاقة الإلزامية" وتحويل "الحضور" إلى "الحاضر" "والحضور الشفوي" إلى "الزمن الرقمي" وبتعبيرنا "إضعاف الرأسمال القيمي" و"تقليص الزمن القيمي" و"إبعاد الفرد على بيئة المكان (المكان القيمي) وما يحمل ذلك المكان من أصل في تأسيس المكون الأخلاقي لدى الفرد والمجتمع.
نشكر مرة أخرى جامعة مستغانم وكلية العلوم الإنسانية وقسم الإعلام والوفد الذي استقبلنا في المطار على تنظيم هذا الملتقي الهادف كما نشكر العائلة المستغانمية التي استضافتنا ليلة اليوم الثاني داعلين الله لهم أن يبارك لهم في رزقهم. وفي الأخير نسأل الله عز وجل التوفيق وما بالتوفيق إلا بإذنه.
تعليقات
إرسال تعليق