التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ماذا عن الثورة العلمية؟

باديس لونيسBadis.lounis@gmail.com


مع اقتراب موعد الاحتفال السنوي بعيد الثورة الجزائرية الذي يصادف الفاتح من نوفمبر من كل عام، تتحرك الجموع الرسمية والشعبية لتجديد الولاء للماضي بلغة خشبية غارقة في الرتابة، وتنتشر الشعارات نفسها بعباراتها الأولى على المباني الرسمية والطرقات،
وتنظم ندوات تنشطها نفس الوجوه التي لا تتوانى عن تكرار الكلام نفسه بالنبرة نفسها، وتتعالى الصيحات والدعوات إلى محاسبة الاستعمار وعدم نسيان جرائمه في الأرض والإنسان والثقافة، ويترحم الجميع على أرواح الشهداء وتعلق الأوسمة على من تبقى من المجاهدين عرفانا لهم ولجهادهم، وتنتفخ الذوات فجأة حتى ليحس الجميع بأنهم أعظم شعب على وجه الأرض.
وفي اليوم الثاني من نوفمبر من كل عام سيتجه عمال البلديات لاسترجاع الأعلام الوطنية المعلقة في الساحات والطرقات إلى المخازن، وتُطوى الحكاية وتخفت الحماسة وينسى الجميع ما كانوا يدعون إليه في الأمس.
ألم أقل لكم، أننا محكومون بردات الفعل وبالحماسة الزائدة التي لا تطول كثيرا وسرعان ما تخمد؟ لسنا في الأخير إلا ظاهرة صوتية لا تقدم ولا تؤخر شيئا، ما نحن إلا مناسبتيين تنطبق عليهم تجارب بافلوف التي تفترض أن سلوكاتنا محكومة بما يسمى المنعكس الشرطي؛ يكفي أن تخضعها إلى مثير أكثر من مرة حتى تنخرط في استجابات آلية عاطفية غريزية مجردة من التفكير.
الحقيقة علي ألا أبالغ كثيرا، فهذا العام على غرار الأعوام القليلة الماضية، تغيرت قليلا طريقة الاحتفال بهذه المناسبة المجيدة، لقد صرنا أمام متغير جديد يتمثل في "شبكات التواصل الاجتماعي"، أين صار المجال متاحا للجميع لممارسة حقه في الاحتفال بالثورة، أو حتى استغلال الفرصة لنقد الفكرة التقديسية التي عكفت السلطات الرسمية على تكريسها منذ الاستقلال.
ولكن هل تغير شيء؟
لاشيء. فقط تغيرت الوسائل أما الشعارات فهي نفسها والدعوات والحماسة وخمودها في الغد، هو هو نفسه.
أعتقد أن الاحتفال الحقيقي الذي سيتخذ نكهة وطعما مختلفين، هو ذلك الاحتفال الذي سيقترن بأوضاع مختلفة عم نحن عليه الآن، ولن يحدث ذلك إلا على إثر ثورة ثانية؛ ثورة علمية حقيقية تنقلنا إلى مصاف الدول المتقدمة. ولن تحدث هذه الثورة إلا إذا سلمنا زمام القيادة على جميع الأصعدة إلى نخبنا الحقيقية لا المزيفة.
الثورة العلمية الحقيقية ستنطلق من جامعاتنا، فقط حالما تتوفر الإرادة السياسية.

أعتذر، يبدو أني  قد مارست نفس اللغة الشعاراتية، وبالنبرة نفسها.

نُشر بجريدة الاوراس نيوز يوم الثلاثاء 03 نوفمبر 2015م.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).