باديس لونيسBadis.lounis@gmail.com
كالعادة وكما كان
متوقعا لقي قرار إيقاف قناة الوطن (الجزائرية، الأجنبية) عن العمل الإعلامي،
موجة من الانتقادات والتنديدات والاتهامات والتضامن، من قبل الزملاء والعاملين في
الميدان والمثقفين والكثير من المهتمين على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي. وكالعادة
يتوقع أن تخفت ردة الفعل هذه تدريجيا حتى ينسى الجميع هذه القناة ورمزية إيقافها
على بعد أيام من الاحتفال باليوم الوطني للصحافة، وسينصرف الجميع إلى اهتماماتهم
الخاصة كأن شيئا لم يكن، تماما مثلما حدث مع قناة الأطلس سابقا. فنحن محكومون
بردات الفعل وبالحماسة الزائدة التي لا تطول كثيرا وسرعان ما تخمد.
لست أتوجه باللوم
إلى أحد ولا أحاول التلميح إلى أي شيء، فقط ما أريد قوله أن التنديد بمثل هذه
القرارات في حق حرية التعبير واجب على كل إنسان يؤمن بالحرية، كما أن التضامن مع
المتضرر سلوك حضاري نبيل ورسالة إنسانية قوية النبرة واضحة المسعى. ولكن الأمر لا
يكفي.
الأمر يتطلب هدوء في
الطرح وروية في المعالجة والمناقشة؛ فبدلا من انتظار مثل هذه القرارات للقيام
بردات فعل روتينية لا تقدم ولا تؤخر، وجب السعي لتشييد أرضية صلبة من القوانين
والمواثيق الواضحة التي تسهل مهمة بناء صرح إعلامي تشده جدران من الممارسة المهنية
الواثقة من متانة المرجعية.
فظهور الكثير من
القنوات الجزائرية الخاصة، بعد القرار السياسي بالانفتاح السمعي البصري، رغم
الهشاشة القانونية التي تطبعه، هو في حقيقة الأمر موافقة ضمنية وإقرار منها بتحمل
مسؤولياتها اتجاه الكثير من القضايا منها ما يخص خطها الافتتاحي الذي يبدو انه سيكون بنفس الهشاشة وبنفس الغموض
والمرونة (القدرة على التلون والتكيف) التي تحكم السوق الإعلامية والإشهارية.
ويعي القائمون على هذه القنوات تمام الوعي بأنهم
محكومون بضرورة اكتشاف الخطوط الحمراء بأنفسهم والحرص على عدم الاقتراب منها أو
تجاوزها، وإلا فلا قانون أو ميثاق يحميهم من تلقي العقاب الذي قد يتراوح بين
التضييق على الوصول إلى المعلومة، أو منع الاشهارات العمومية وحتى الخاصة عنها كما
حدث مع قناة الجزائرية، أو بقرار الإيقاف كما في حالتي قناة الأطلس أو قناة الوطن.
وإيقاف قناة لا تنشط بشكل قانوني أمر قانوني لا غبار عليه.
السؤال: كيف أمارس
حقي وواجبي في التضامن مع قناة لا أعرف القائمين عليها ولا مصادر تمويلها ولا كيفية
اشتغالها وعملها ولا أهدافها القريبة والبعيدة؟ ألم يكن حريا بالقائمين عليها وعلى
القنوات التي تنشط خارج القانون بأن تؤسس لأرضية واضحة نستطيع أن نتضامن من خلالها
بثقة ووضوح؟
إن الواقع الإعلامي
في الجزائر صار أكثر حاجة من أي وقت إلى الإسراع في بناء منظومة قانونية وأخلاقية
أكثر وضوحا وشمولية ليس فقط فيما يخص الإعلام السمعي البصري ولكن وأيضا على مستوى
الصحافة المكتوبة والإعلام الالكتروني وسوق الإشهار، وصار مطلوبا أكثر من أي وقت مضى
الابتعاد عن تسييس التشريع لهذه المنظومة،
لان القانون وحده ما يستطيع أن يكفل ممارسة إعلامية واضحة، والأخلاقيات
وحدها ما تجعل المؤسسات الإعلامية تعرف خطوطها الحمراء والخضراء.
ولعل الخط الأحمر
المشترك لدى كل المؤسسات الإعلامية على مستوى العالم وحتى في البلدان الديمقراطية
العريقة هو "الأمن الوطني" الذي لا يصح أبدا أن تقترب منه بسذاجة، أو
رعونة، وإلا فلا عذر للصحفي أو المؤسسة التي ينتمي إليها أمام عواقب التهور. وهذا
ما حدث لقناة الوطن الجزائرية /الأجنبية التي وضعت نفسها قبالة عبارة على مستوى غاية
في الخطورة وهي "أمن الوطن".
لذلك فانا لست
متضامنا مع قناة الوطن، بل أرى أن الوطن هو الذي يحتاج إلى تضامن الجميع لإرساء
تقاليد قانونية وأخلاقية إعلامية تناسب عراقته وعظمة شعبه.
تعليقات
إرسال تعليق