يؤكد ابن عربي - في رده على الفلاسفة واللاهوتيين- أن الله لا يمكن تصوره ولا يمكن معرفته أبدا، فلا تنطبق عليه أسماء ولاصفات، كما يؤكد ان كل افكارنا ومفاهيمنا التي نشيدها قياسا على انفسنا لا تُدانيه. ولن نعدم لهذا التأكيد سوابق؛ فالسبب الأول عند الفارابي يوصف بأنه غير مادي، وانه بلا شبيه أو نظير، ولا يقبل الحدّ. هذا الوجود غير المعروف الذي تصدر عنه كل الآثار والأفعال ولا يوصف بأنه احدها، يسميه ابن عربي "ذات الله" (the Divine Essence) وأحيانا يسميه "الحق" (the Real) وهي كلمة تحمل أصداء لاكانية (Lacanian) بالنسبة إلى القارئ الغربي. وفي رأينا لا جدال في ان "الذات غير معروفة"؛ فالذات الإلهية عند ابن عربي شبيهة على الأصح بعبارة "الله أبعد من الله" و "الواحد الأول الذي لا يوصف" عند أفلوطين، وأية فرضية نقدمها عن هذا الواحد الاول لا يمكنها حد هذا الواحد الأول. ومن هنا يأتي خطا المفكرين العقلانيين الذين غلطوا في تصوراتهم عن "الحق" نفسه:
"حين يفكر الإنسان بعقله في الله، يخلق بتفكيره ما يعتقده في نفسه ومن هنا يفكر في الرب الذي خلقه بفكره"
ويشير ابن عربي إلى أمثال هذه التصورات قرب نهاية كتابه "فصوص الحكم" فيرى ان ما ينشأ عنها هو "إله المعتقدات" الذي يتلون تبعا لاستعداد المعتقِد. ويتعاطف ابن عربي مع هذه التصورات بوجه عام، مادام المعتقد واعيا بـ "الموقف الحقيقي" أي واعيا بأنه يصنع إلهه. اما مشكلة مفكرين أمثال الأشاعرة فتنشأ عن انهم يشيّدون علومهم اللاهوتية باكملها ويسهبون في الشرح استنادا إلى بناء فارغ: بناء يتيقنون من انه هو "الله". وتلك نقطة من الأهمية بمكان يلتقي عندها التصوف والتفكيك؛ فكما يرى دريدا أن مفكري الميتافيزيقا جميعهم يؤسسون أنساقهم الفكرية على لحظات زائفة من "الحضور الذاتي" أي على "مركز" يظهر دائما انه ليس المركز الحقيقي، فالدال لا يفضي سوى إلى دوال أخرى - يرى ابن عربي أن اهل النظر جميعهم يشيدون أفكارهم عن الله على شيء ليس هو الله على الحقيقة.
وفي الحالين، يقع الفيلسوف ضحية وهم او خداع ما؛ يقع ضحية يقين راسخ بأن الأساس الدلالي الذي يقوم عليه نسقه الفكري("الله"، "التجربة"، "الواقع"، "البراءة") كاف بحد ذاته، ولا يحتاج إلى أي تبرير.
تعليقات
إرسال تعليق