أ.د لعياشي عنصر

ما أودّ قوله دون الدخول في التفاصيل هو أن الظاهرة لا تفاجيء احدا ممن عايشوا تجربة تكوين الجامعة الجزائرية منذ منتصف السبعينات. الفرق الوحيد ربما في كثافة ومدى انتشار الظاهرة وتواترها بشكل منتظم بحيث أصبحت تشكل معلما أساسيا من معالم الجامعة اليوم.
لا شك أن العوامل التي تقف وراءها وتغذيها متعددة ومتنوعة منها البنيوية مثل تركيبة الطاقم البشري للجامعة من الاساتذة والطلبة على حد سواء، والامكانيات المتوفّرة، ودور السلطة السياسية بمستوياتها وفروعها المختلفة في إخضاع الجامعة وتوظيفها كأداة في خدمة مشروعها لتجهيل المجتمع والسيطرة عليه. وكذا العوامل الذاتية طبعا المتعلقة بسيادة الرداءة واكتساحها للفضاء الجامعي منذ مدة، ممثلة في الأرقام الخيالية لعدد الدكاترة والبروفسورات، من جهة، والفقر المدقع على مستوى الانتاج العلمي من جهة ثانية. أضف الى ذلك التراجع الرهيب في جودة التعليم لكل مراحله.
الزردات الجامعية التي تحمل اسم ملتقيات علمية، وليس لها منها سوى الاسم، ليست إذن ظاهرة جديدة أبدا. لقد كتبنا ونشرنا عن هذا خلال حقبة الثمانينات والتسعينات، حين برزت وبدأت في التصاعد والانتشار، مع فارق مهم طبعا. وقتها كان هناك حد أدنى من المقاومة لهذه الظاهرة من قبل نخبة من الاساتذة والطلبة الملتزمين بمعايير العلم والجامعة حقا، والطامحين لإرساء قواعد ممارسة علمية فعلية وفعالة، وبناء جامعة جزائرية تقف في مصاف الجامعات الإقليمية والعالمية. اما اليوم فالهم الوحيد والاساسي للغالبية العظمى من "الاساتذة" هو الشهادة واللقب أي الدرجة العلمية، وما يرتبط بذلك من مزايا مادية كالراتب والمكافات، ومعنوية كالمناصب والألقاب الرنانة والفارغة مثل أصحابها. يكفي أن نعرف أن ترتيب أول جامعة جزائرية عالميا للعام 2014 كان 1781، وعادت لجامعة جيلالي اليابس - بلعباس، التي احتلت المرتبة 14 عربيا. كل هذا بعد تحسن ملحوظ عن السنوات السابقة حيث كانت جامعة قسنطينة صاحبة الرتبة الاولى تحتل المرتبة 2367 عالميا. نحن في عهد سيطرت فيها الرداءة وأصبحت مؤسسة بأتم معنى الكلمة. كل هذا ليس غريبا عندما يوضع في السياق العام، فالمجتمع المأزوم والمهزوم لا يمكن أن ينتج نظاما تعليما ناجحا، ولد أن يبني جامعات تستحق التسمية.
تعليقات
إرسال تعليق