التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حمداش/ داوود.. تحقيق مضاد

باديس لونيس

الروائي كمال داوود
شهدت الساحة الثقافية الجزائرية في الأيام القليلة الماضية هرجا ومرجا وضجيجا ملفتا على إثر الفتوى التي أصدرها المدعو حمداش زراوي رئيس ما يسمى بجبهة الصحوة الاسلامية السلفية الجزائرية غير المعتمدة، والتي أهدر من خلالها دم الكاتب والروائي الجزائري كمال داود الفائز بجائزة القارات الخمس للفرنكوفونية عن روايته (مورسو، تحقيق مضاد)، وقد وصفه على صفحته في الفايسبوك بالكاتب الزنديق الكافر المتصهين المجرم.

حمداش  زراوي
بعد ملاحظة هادئة للحادثة وتبعاتها إعلاميا وثقافيا، يمكن تسجيل النقاط الآتية:
هذا الوصف "العنيف"، لا يمكن تقبّله بأي حال من الأحوال ولا استساغته من طرف أي مثقف او عاقل، لأنه ببساطة مؤشر خطير على انتشار ثقافة الالغاء والاقصاء التي تلبس وتتلبس بقدسية الدين، وهو الأمر الذي عانت منه الجزائر بمرارة سنوات الموت واعتقدنا جميعا انه لم يعد من الممكن العودة اليها.

لا شك في اهمية حضور الدين في ثقافتنا  وشتى مناحي حياتنا، ولكن هذا الامر لا يعطي الحق لأي كان في التكلم باسم الرب، والحكم على الأشخاص بالكفر، وإذا اقتضى الأمر فإن هناك مؤسسات تقع على عاتقها مهمة إصدار الفتاوى، وتتمثل أساسا في وزارة الشؤون الدينية وما يتفرع عنها، وهنا نسجل غيابا غريبا ومريبا لا يمكن تبريره لهذه المؤسسة.
إن أغلب ردود الفعل والتعليقات التي صاحبت هذه الحادثة، لم تكن بريئة وموضوعية في الغالب، فهي إما كانت متخندقة في نمطية التصنيف وما يقتضيه ذلك من الاعتقاد بأن المنتمي المخالف حتما على خطأ، وإما كانت نتيجة احكام مسبقة متسرعة مستعجلة، وإما كانت تصطاد في المياه العكرة طلبا للظهور الإعلامي ليس إلا، وفي كل ذلك اختفت الموضوعية والحكمة في معالجة الازمة بالاحتكام إلى العقل أولا واخيرا.
لقد قرأت في عدة روايات جزائرية ما كان اكثر جرأة في تناول المقدسات، دون ان تثير كل هذا اللغط، وقد يكون السيد كمال داوود جريئا لأنه منح الكلمة لإحدى شخصيات روايته "المتطرفة" لتعطي رأيها المسيء للدين، ورغم أنه لا احد منا ينكر وجود مثلها في الواقع ولكنها تبقى شخصية روائية متخيلة لا تمكّننا من الحكم عليه من خلالها، خاصة وأنه صرح بعظمة لسانه بأنه مسلم متدين.

أخيرا، وعلى أمل أن تشهد ساحتنا الثقافية والإعلامية حوارات ونقاشات جادة وعلى مستوى من الرقي، اعتقد انه كان الأولى بالروائي أن يشكر المكفّر بدلا من أن يرفع دعوى قضائية ضده، لأنه بذلك التكفير يكون  قد قدم له خدمة جليلة؛ فما شهده هو وروايته من ترويج إعلامي  محلي وعالمي منقطع النظير وفي أيام معدودات، لا يحلم به أي كاتب وروائي آخر.

نشر في جريدة "الأوراس نيوز" يوم الأحد 04 جانفي 2015م.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).