التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الكلمة الافتتاحية للأستاذ عبد الرحمن عزي في ملتقى جامعة الأغواط 2-12-2013

البروفيسور عبد الرحمن عزي

بسم الله الرحمن الرحيم
يطيب لي أن أعبر في هذه الكلمة الوجيزة عن مشاعر الود والشكر والامتنان وعن بالغ  التقدير موجها إلى هذا الصرح المعرفي: جامعة عمار ثليجي بالأغواط وإلى القائمين على تنظيم هذا المؤتمر الدولي الهام بمختلف مستوياتهم،  وفي مقدمتهم سعادة الأستاذ الدكتور جمال بن برطال رئيس الجامعة والدكتور سلامي الباهي عميد كلية العلوم الانسانية والاجتماعية  واللجنة المنظمة على ما بذلوه من جهود فائقة  من أجل توفير شروط عقد هذا اللقاء المعرفي المتميز وإخراجه بهذه الطريقة المحكمة و الميمونة. 

 والشكر موصول أيضا إلى د. العربي بوعمامة رئيس قسم الإعلام ورئيس الملتقى الدولي الأول حول نظرية الحتمية القيمية في الإعلام، وجميع الحاضرين الذين أعرفهم إما شخصيا أو من خلال إسهامهم في المجال - على تحملهم عناء السفر من أجل مهمة علمية أكاديمية نبيلة ليست مرتبطة بشخص أو مجموعة من الأشخاص بقدر تمس الهم المعرفي الحضاري في سياق تفكك زماني ومكاني سريع و تشكل نفسي اجتماعي غير مكتمل بل و يبدو غير واضح المعالم مع اختلال معادلة ثنائيات الماضي والحاضر والشخصي والاجتماعي و الديني والدنيوي والداخلي والخارجي والمحلي والانساني.    
لا شك أن احتضان الأفكار أو النظريات الجديدة من سمة  الجامعات العريقة،  فالعالم تالكوت بارسنز عاد إلى أمريكا بداية الثلاثينيات بعد رحلة دراسية ومعرفية إلى ألمانيا وفرنسا وإنجلترا  وسعى إلى تأسيس نظرية اجتماعية باسم الوظيفية، فكان أو من احتضن هذا الفكر الجديد جامعة هارفرد ومن تلك الجامعة انتشرت تلك النظرية وأصبحت تدرس في مختلف الجامعات شرقا وغربا إلى يومنا هذا. وعندما ظهرت نظرية أخرى منافسة على يد سروكن المهاجر الجديد من روسيا في تلك الفترة باسم نظرية الثقافة الحسية والمثالية احتضتنه أيضا جامعة هارفرد وفتحت قسمين أحدهما برئاسة بارسونز والثاني برئاسة سروكن مما ولد نقاشا فكريا راقيا كان له الأثر في بروز أمهات الكتب في التنظير الاجتماعي والثقافي. أما الفيلسوف المعاصر إرفين سينغر   صاحب نظرية فلسفة الفيلم والفلسفة في الفيلم فقد خصصت له جامعة MIT موادا بهذه التسمية وتدرس بمؤلفاته بعيدا عن البرنامج الدراسي "الرسمي."  و القصد من هذا المثال القول أن الجامعات المرموقة أول من يحتضن الأفكار الجديدة، ومن هنا تكمن أهمية تنظيم مثل هذه الملتقيات في جامعة عمار الثليجي بالأغواط ومن قبلها جامعتي مستغانم والأمير عبد القادر.       
نحن كأكادميين وباحثين نعرف أن المئات من المفاهيم والأطروحات والآراء بل والأفكار يتم تداولها أو إثارتها في الملتقيات العلمية المتعددة على أكثر من مستوى، ولكننا نعرف أيضا أن معظم هذه "الأشياء" تتبخر بعد شهرين أو أكثر وبعضها يصبح في طي النسيان بعد أسبوع أو أسبوعين  بحكم ومن جملة عوامل أخرى أنها لا تلمس جوهر الحياة الانسانية أو أنها لا تحمل شروط البقاء أو أنها لا ترتقي إلى المستوى الحضاري، فالأزمة أو الأزمات مسألة حضارية بتعبير مالك بن نبي.    
وقد أصبح مؤتمر نظرية الحتمية القيمية في الإعلام  سنة (بضم السين) و تقليدا أكاديميا راسخا ومحل اعتزاز كل مشارك ومهتم بوصفه فضاء معرفيا حيويا و منبرا أكاديميا راقيا  تتم فيه مدارسة القضايا الإعلامية و المعرفية الجدلية الشائكة ذات الصلة بقضايا المجتمع والأمة وذلك ما نقرؤه في حسن اختيار مواضيع الملتقى كهذا الذي نحن بصدد مناقشته...والناظر إلى جدول الأعمال المؤتمر يجد أن محاورة تعكس بعناية خاصة إشكالات الموضوع إذ تتضمن مصفوفة المفاهيم النظرية والفكرية واستخدامات تكنولوجيا الاتصال والأسس النفسية والاجتماعية للاتصال والإعلان التلفزيوني والاعلام الاجتماعي وغيرها من المواضيع العلمية الدالة التي تتناول بالوصف والتحليل والنقد الإشكالية المطروحة وأبعادها الاتصالية والاجتماعية والتاريخية والفنية والحضارية.
وقد زار المؤرخ الجزائري أو قل شيخ المؤرخين الجزائريين د. سعد الله أبو القاسم  قبل سنتين هكذا جامعة عمار ثليجي بالأغواط وكتب كلمة لإلقائها بالمناسبة ولكنه لم يفعل ذلك، فارتأيت ولكونه مؤرخ يعرف المنطقة أن أقتبس شيئا مما كتبه عن الأغواط:
"إنه لشرف عظيم لي أن أكون بينكم اليوم، في قلب الأغواط بوابة الجزائر إلى جنوبها وفاتحة الخير والسلام إلى العالم الإفريقي. إن الأغواط عندي هي مركز مهم لنخبة من المثقفين وموطن متقدم للحركة الإصلاحية التي بدأها الشيخ مبارك الميلي وواصلها رعيل كامل من العلماء العاملين، في مقدمتهم أبو بكر الأغواطي وأحمد بوزيد قصيبة هؤلاء الذين أخرجوا جيلا من المثقفين هم اليوم عدة الجزائر في ميادين التعليم والفنون والآداب والتاريخ والعلوم كالإخوة يعقوبي والمرحوم محمد السويدي وأمثالهم كثيرون. وفي التاريخ أنجبت الأغواط الحاج ابن الدين وعطاء الله دهينة وعمر دهينة.  وفي نطاق الحركة الوطنية برز من الأغواط عدد من المناضلين أمثال رمز المقاومة الشعبية المسلحة ابن ناصر بن شهرة فارس الميدان... كما أنجبت الأغواط المهاجر التهامي بن شطة الصحفي اللامع الذي أدار جريدة (المهاجر) الناطقة باسم المهاجرين الجزائريين والمغاربة، وكان مرجعا لهم في بلاد الشام متضامنا مع عائلة الأمير عبد القادر هناك. ومن الجيل الحاضر نذكر بكل إجلال الضابط عمار ثليجي الذي تحمل الجامعة اسمه". انتهى كلام د سعدالله.
     و مرة أخرى، نجدد اعتزازنا بحضورنا هذا المؤتمر شاكرين لكم كرم الضيافة و ما يجزي إحسانكم شكران – آملين للمؤتمر التوفيق و النجاح بحول الله
و السلام عليكم و رحمة الله     
د. عبد الرحمن عزي


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).