كنت قد طرحتُ على
الصفحة الخاصة بي في الفايسبوك أياما قليلة قبل سقوط النظام التونسي، سؤالا
عن دوافع استخدامه، وكانت إجابات الأصدقاء كثيرة ومتنوعة، إلا انه لم يكن
من الصعب تلمّس أن أغلبها كان يصب في خانة إشباع حاجة حيوية وهي التعبير عن
الرأي بحرية، دون وسيط وبعيدا عن مقص الرقابة. ولعل هذه الميزة تقدم
الفايسبوك كفضاء عمومي موازي أو بديل. وتجعل منه ملاذا وإن كان افتراضيا
لممارسة المواطنة الغائبة في الواقع الحقيقي.
فهذا الموقع
الاجتماعي الذي أنشأه الأمريكي اليهودي "مارك زوكر بيرغ" عام 2004م بغية ضم
أصدقاء الجامعة وضمان استمرارية التواصل فيما بينهم، أضحى اليوم يضمّ ما
يفوق نصف المليار مشترك، ما يجعل منه ثالث أكبر تجمع على الأرض بعد الصين
والهند، ويجعلنا نتقبل دون استغراب أو استكثار أن يعنون أحد الكتاب العرب
كتابه الجديد بـ "دولة الفايسبوك". ورغم
الحذر الذي يكتنف شعور الكثير من المراقبين الذين ينظرون إلى الفايسبوك
بعيني التوجس والريبة على اعتبار أنه أداة يتحكم فيها الآخر "اليهودي"، إلا
أن لا أحد بمقدوره أن ينكر على هذه الأداة الكثير من المزايا التي تقترحها
بكثير من الجاذبية التي لا تقاوم.
فهذه
الشبكة الاجتماعية يمكن استخدامها من قبل وسائل
الإعلام المختلفة لربط التواصل المستمر مع جمهورها، والحصول على رجع الصدى
بالتزامن مع نشر المادة الإعلامية في كثير من الأحيان، كما يستخدمها الكثير
من الكتاب والأدباء والمفكرين لنشر نتاجهم أو إعادة نشره وتكوين مجموعة من
القراء الأوفياء لهم. ويجد الكثير من الناشطين في المجال الخيري في هذه
الشبكة فرصة مثمرة للقيام بمبادراتهم الخيرية في أسرع وقت. وتأتي
استخداماتها السياسية لتبدو أكثر أهمية وفعالية عندما نعلم مثلا أن هذا الموقع الاجتماعي كان وراء أول إضراب له وزنه في 6 أفريل 2008م في
بلد ابتعد الناس فيه منذ زمن عن الحراك السياسي وهو مصر. كما
أن الكثير من الخبراء يُرجعون فوز أوباما بالانتخابات الرئاسية إلى نقطة
أساسية قلبت الكفة لصالحه وهي توظيفه الجيد لتكنولوجيا الاتصال بصفة عامة،
والفايسبوك بصفة خاصة إذ تشير الأرقام إلى أن عدد أصدقائه كان قد بلغ 1.7
مليون صديق أثناء حملته الانتخابية، ولنتصور كم أن هذا الرقم سيتضاعف عندما
نعرف أن متوسط عدد أصدقاء كل صديق له هو 100صديق، سيقوم بعضهم على الأقل
بالترويج له بين أوساط الجماعات التي ينتمون لها.
بالإضافة إلى ما
سبق تجدر الإشارة إلى أن الفايسبوك يعتبر أحد أهم المواقع التي كانت وراء
ظهور ما يسمى بصحافة المواطن أين يلعب المستخدم العادي دور الصحفي في نشر
الأخبار المختلفة بمختلف التقنيات، وتتبع الأحداث وتغطيتها أولا بأول.
وتجلى هذا المفهوم على الواقع بشكل صارخ مع ثورة الياسمين في تونس الجارة
التي تأتي في المرتبة الأولى عربيا في استخدام الفايسبوك بنسبة 16.55%.
فلولا تكنولوجيا الإتصال الحديثة وعلى رأسها الفايسبوك لمرّت حتما حادثة
انتحار البوعزيزي مرور اللاحدث، ولما انتشرت الاحتجاجات في ربوع تونس
انتشار النار في الهشيم. وأعتقد أن حاثة الانتحار هذه ليست إلا القطرة التي
أفاضت مكبوتات الشعب المتشبع حد الانفجار من سياسة القمع والكبت الممارسة
من طرف النظام، وفي هذا الإطار تبرز الأهمية القصوى لهذه الشبكة الاجتماعية
والفلسفة التي تقوم عليها؛ فالمواطن التونسي المحروم من ممارسة المواطنة
الحقيقية القائمة أساسا على الحريات الفردية والجماعية، وجد في المجتمع
الافتراضي الذي يقترحه الفايسبوك بديلا يكاد يكون مثاليا لمواطنته. ثم إن
التناقض بين الواقع الحقيقي والافتراضي، خلق نوعا من التنافر فالنفور،
فالرغبة في التغيير. والنتيجة غير المتوقعة هي ثورة الياسمين التي أدت إلى
إسقاط نظام بأكمله، ومع ما تحمله التسمية من دلالات إلا أنه كان من الإنصاف
تسميتها بثورة الفايسبوك.
وفي انتظار متوقع
لثورات فايسبوكية مختلفة الأهداف على الأنظمة الأخرى المشابهة، يجب أن نقر
أن مجلة التايم الأمريكية لم تخطئ الاختيار عندما جعلت من الشاب صاحب 26
عاما "مارك زوكر بيرغ" شخصية العام 2010م بعد منافسة محتدمة من صاحب
الوكيليكس جوليان أسانج.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر المقال في مجلة الفرسان
الجزائرية، العدد السادس، من 15إلى31 جانفي 2011م،
تعليقات
إرسال تعليق