بقلم / ا.د / ادريس بولكعيبات
• تشير المادة ال19 للإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948 إلى أن " لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ، و يشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل ، و استقاء الأنباء و الأفكار و تلقيها و إذاعتها بأية وسيلة كانت دون قيد بالحدود الجغرافية ".
عندما صدر
هذا الإعلان لقي صدى مدويا؛ حيث اعتبر " ثورة " .
• و قد
كانت الجزائر ، عندما صدر ذلك الإعلان لا تزال مستعمرة ، مسلوبة من كل الحقوق بما
فيها الحق في الإعلام ، حيث كانت أهم وسائل الإعلام المتاحة بيد المستعمر،
يستخدمها كأدوات لاحكام السيطرة ، و رسم واقع مزيف و مظلل .
• أثناء
ثورة التحرير استخدم الإعلام استخداما مزدوجا :
1- تقديم
إعلام بديل للجزائريين .
2-
استخدام ذلك الإعلام ك" سلاح " مكمل للسلاح الحقيقي .
و في هذا
الاطار كانت جريدة "المجاهد " و " إذاعة الثورة " تديران حربا
مضادة من أجل تقديم صورة حقيقية لما كان يجري في الجزائر و التعريف بالقضية التي
عتم عليها إعلام المستعمر.
و لعل صوت " عيسى مسعودي " عبر " صوت الجزائر " من تونس عكس نوع الإعلام الذي كان يقدم للجزائريين ، حيث كان يركز على مخاطبة عواطف الجزائريين بالدرجة الأولى . و قد أدى وظيفة إبقاء الزخم متدفقا بنجاح .
و لعل صوت " عيسى مسعودي " عبر " صوت الجزائر " من تونس عكس نوع الإعلام الذي كان يقدم للجزائريين ، حيث كان يركز على مخاطبة عواطف الجزائريين بالدرجة الأولى . و قد أدى وظيفة إبقاء الزخم متدفقا بنجاح .
• بعد
استرجاع السيادة ، اتجهت الدولة الوطنية نحو تقديم مبررات جديدة لابقاء الوضع على
ما كان عليه أثناء الثورة بحجة أن الثورة مستمرة وأن لها أعداء في الداخل و في
الخارج و هو مبرر كان شائعا في تلك المرحلة ومع الأسف لم يستثن كلا من كان له رأي
مخالف . و أحادية الحزب التي فرضت بعد عام 1962 تطلبت أحادية في الرأي أي الإعلام
.
التطبيق
العملي لهذه " الأيديولوجيا " تمثل في تأميم وسائل الإعلام من
(إذاعة –تلفزيون – وصحف – بالاضافة الى خلق وكالة الأنباء الجزائرية ) .
(إذاعة –تلفزيون – وصحف – بالاضافة الى خلق وكالة الأنباء الجزائرية ) .
و قد كان
الصحفيون الجزائريون ، في تلك المرحلة التي طبعتها الاحادية الإعلامية ، يعتبرون
أنفسهم مناضلين أولا ثم صحفيين ؛ اليوم الوضع انقلب.
• هذه
الروح بقيت سائدة لم تتغير في الجزائر ، حتى عام 1989 عندما ظهرت في البلاد اشارات
على التحول نحو بناء مجتمع مفتوح و ذلك بتسهيل :
- حرية
تكوين الأحزاب
- خوصصة
الاقتصاد
- فتح
المجال أمام المبادرة الخاصة في الاعلام
• هذا
التزامن الذي كان أمرا ضروريا و حتميا ، أنجب العديد من العناوين في ميدان الإعلام
المكتوب خاصة، و حصل انقلاب في المعطيات ، ففي ميدان الإعلام المكتوب ، أصبحت
الغلبة و السيطرة للقطاع الخاص بعد عشر سنوات من انطلاق التجربة .
و تعد " الخبر " و " الشروق " ،و " Le quotidien " وEL-Watan" و " Le soir" و " Liberté " رائدة .
و تعد " الخبر " و " الشروق " ،و " Le quotidien " وEL-Watan" و " Le soir" و " Liberté " رائدة .
من حيث :
1- القدرة
على الصمود في السوق .
2- محاولة
خلق صحافة جديدة في الجزائر تدعو لإعطاء الأولوية لنقل المعلومات و ليس التعليق
عليها .
• و إذا
حكمنا على الصحافة الجزائرية من خلال تجربة الإعلام المكتوب ، فإنه يمكن القول أن
التجربة واعدة ، و إن لم تتمكن هذه الصحف من أن تصبح مؤسسات إعلامية حقيقة ، لأن
وضعها لا يزال هشا ، حيث يمكن أن تصبح مهددة لمجرد ظهور طارئ ( اضطراب التوزيع –
الورق – التضييق على الاعلان الذي لازالت الدولة تمسك بأهم خيوطه ) .
و مع أن
الوثبة التي حصلت بعد 1990، تباطأت بعد الأزمة السياسية التي عرفتها الجزائر في
مطلع 1992 ، عندما توقف المسار الإنتخابي ؛ حيث عادت البلاد أدراجها إلى وضع سياسي
يشبه الوضع الذي كانت عليه قبل التعددية ، و قد وجدت الصحافة الجزائرية نفسها تعمل
في مناخ معاد للحرية و ذلك من عدة نواح :
1- تعرض
الصحافيين في الجزائر إلى القتل ، حيث قتل العشرات منهم ، بين سنوات 1992 و 1997 .
2- تعرضهم
للمتابعات القضائية في بلد لا يعتبر فيه القضاء مستقلا ، و بموجب ذلك سجن الصحافيون
، وتوبعوا أمام المحاكم .
3- تشديد
الإجراءات القانونية ، و خاصة ما يتعلق منها بموضوع القذف .
4 -اعتماد
وسائل الإعلام في الجزائر ، حتى المستقلة منها على مساعدات الدولة ، فبعد ما يقرب
من عشرين سنة على إطلاق الحرية الإعلامية لاتزال هذه المؤسسات غير قادرة على
الاعتماد كليا على مواردها بصورة كاملة .
5- وجود
تضييق على منح تراخيص لاصدار منشورات جديدة ، حيث أن وزارة الداخلية أصبحت لها
اليد الطولى في هذه المسألة .
6- ضعف
الاحترافية لدى الصحفيين الذي أدى الى الخلط بين الرأي و الخبر .
7-
استحالة الوصول الى المصادر .
• و
الخلاصة أن العلاقة بين وسائل الإعلام و السلطة السياسية في الجزائر، هي علاقة
تبعية متجدرة ، لم تتغير في جوهرها منذ ثورة التحرير، فالسلطة ظلت متمسكة برأيها
في أن يكون دور وسائل الإعلام هو التعبئة لإخراج البلاد من مرحلة انتقالية في كل
شيء طال أمدها
• و
الحقيقة ، أنه على المستوى السياسي ، نلاحظ أن ، الجزائر لم تتمكن من التخلص من (
عقلية الثورة ) ؛ حيث استمرت السلطة حتى بعد إقرار كل الدساتير التي عرفتها
الجزائر منذ الاستقلال تنظر للصحفي على أنه إما مناضل أو خائن .
و لأنها
السلطة تنتظر من الصحافة الانحياز إلى صف " المشروع المفترض " . و هذا
ما أدى إلى سوء الفهم وإلى توتير العلاقة مع الصحافة حتى بعد إقرار التعددية .
• بالنسبة
للإعلاميين ، يعد طول أمد الأزمة التي عرفتها البلاد حجة على صحة وجهة نظرها ، الداعية
إلى ضرورة ابتعاد الصحافة عن ظلال السلطة من أجل لعب دور الرقيب.
• حول هذه
النقطة هناك جدال طويل حول دور الصحافة أثناء الأزمات . هل من واجبها تقديم الوطن
على حساب نقل الحقيقة أم التمسك بالحقيقة حتى و لو كانت على حساب الوطن.
كان
" بنيامين فرانكلين " يقول: أن الدولة التي تضيق على الحريات من أجل
الحفاظ على أمنها لا تستحق أن تنعم بالأمن و لا الحرية " .
لكن في
أمريكا نفسها أجبرت الصحافة على تقديم تنازلات على حساب الحقيقة خلال العشر سنوات
الأخيرة .
• إن
الدرب الذي سارت فيه الصحافة في الجزائر منذ 1962 ، كان منزها عن الأغراض و هذه
حقيقة .
• أما بعد
1990 فقد كان هناك في البداية حلم داعب رواد الصحافة الخاصة الذين قدموا اليها من
عالم مكبوت كان يخنق الصحافة العمومية ، من أجل صحافة حرة . لكن ليست هذه هي الحال
دائما أو القاعدة العامة .
• الخلاصة
أن الانتقال الفعلي من صحافة الالتزام إلى صحافة حرة في الجزائر لا يزال غير مؤكد
. و كل ما نستطيع قوله أنها في حالة وسط .
أيها
الحضور الكريم ؛
لعلكم
لاحظتم أني لم أطرق واقع الحال في قطاع السمعي- البصري لما حصل فيه من تطور منذ
العام 1962 ، فمن وجهة نظري أن هذا القطاع الذي أنفقت
عليه الدولة أموالا طائلة و لا تزال في سبيل تطويره بأحدث التقنيات للانتقال به
إلى الرقمنة و توسيع قاعدته و شبكاته . و هذا شيء لا يمكن إنكاره أو تجاهله
لكن يجب أن نقول بصراحة و دون رياء أن التطور الذي حصل في هذا القطاع
هو تطور كمي و تقني و لم ينعكس ذلك - مع الأسف -على تطوير المحتوى لحد الآن . وقد لا يشاطرني هذا الرأي بعضكم .
عليه الدولة أموالا طائلة و لا تزال في سبيل تطويره بأحدث التقنيات للانتقال به
إلى الرقمنة و توسيع قاعدته و شبكاته . و هذا شيء لا يمكن إنكاره أو تجاهله
لكن يجب أن نقول بصراحة و دون رياء أن التطور الذي حصل في هذا القطاع
هو تطور كمي و تقني و لم ينعكس ذلك - مع الأسف -على تطوير المحتوى لحد الآن . وقد لا يشاطرني هذا الرأي بعضكم .
في الختام
،أشكركم على كرم الإصغاء
*النص مختصر لمداخلة قدمها البروفيسور في أحد ملتقيات قسم علوم الاعلام والاتصال بجامعة قسنطينة، قبل
سنوات.
نُشر على المدونة بعد موافقة الباحث نفسه.
تعليقات
إرسال تعليق