التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أيها البحر، لماذا لم تبتلع جسدي الصغير، وتخفيني عن هذا العالم المخيف؟

أيها البحر الكبير الغارق في عنفوانه،
هذا الصباح وأنا مختبئ في حضن أمي الدافئ، رأيتهم يسرعون إليك بوجوه عابسة أخافتني، لم اخف منك أنت، فقد بدوت جميلا، على الأقل أجمل من الحطام الذي خلفناه وراءنا، لم يخفني هدير موجك، فقد كان حنونا،  بعد  أن أرعبني دوي القنابل في مدينتي.
 لم افهم من همهمات الحاضرين المسرعين إليك شيئا، ولم يكن ذلك يهمني كثيرا، كان يكفيني أن أمي الحنون معي، وكان يكفيها أن تشدني إلى حضنها حتى يختفي الخوف من قلبي الصغير.
وحين امتلأ القارب بذوي الوجوه العابسة التي أخافتني، وأبحرنا فيك، ارتعشت أصابعي قليلا ولكن سرعان ما هدأني هواء عليل وهو يداعب وجنتي، ونورس كان يغني لي غناء لم افهمه ولكني أحببته وتمنيت  من أعماقي لو انه يأتي إلي ويحط على كتفي فأتباهى به أمام أصحابي الصغار الخائفين المرتعبين،

أما أنا فلم اخف، أمي تقول لي دائما بأني شجاع وبأنني سأكبر وسأعود إلى مدينتي واهزم الغول الذي لا يكف عن إخافتنا بقنابله.
ولكني خفت كثيرا حين استيقظت على صراخهم، خفت كثيرا حين رأيت أمي تتخبط وماؤك البارد يحيط بنا من كل جانب، خفت كثيرا وماؤك المالح يلج فمي وانفي ويملؤ أحشائي،
أيها البحر الذي أحببته، لقد جعلتني اصرخ من الخوف، واختنق بمائك،
لم أرد شيئا حينها سوى الاختباء في حضني أمي الذي كان ينقدني دائما، من ملاحقتي أخي أو كلب الجيران، أو أبي وهو يلاعبني،
حضن أمي لم ينقذني هذه المرة.

آه أيها البحر الكبير الغارق في عنفوانه، لم أفهم لماذا كنت قاسيا علينا، ولم أفهم  لماذا لم تبتلع جسدي الصغير، وتخفيني عن هذا العالم المخيف؟

                           عن الطفل السوري الذي لفظه البحر
باديس لونيس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).